الجمعة, 27 أغسطس 2010
الحريري: انتشار السلاح في كل شارع وحي غير مقبول
الحص يضم صوته الى المطالبين بتجريد بيروت من السلاح «لحماية المواطن البريء»
أرخت ذيول الاشتباكات الدموية التي وقعت ليل الثلثاء الماضي في عدد من أحياء بيروت بسبب الإشكال الذي حصل بين مسلحين من «حزب الله» وآخرين من «جمعية المشاريع الإسلامية» (الأحباش) بظلها على الوضع السياسي اللبناني، فيما واصل المواطنون والسكان الذين تعرضوا للأذى البشري والمادي لملمة أضرارها، بموازاة اتساع تداعياتها السياسية بين المطالبة بجعل العاصمة منزوعة السلاح، والدعوة إلى إجراءات حازمة من السلطات الأمنية والقضائية وألاّ تتخلى عن دورها للمسلحين، والقيام بتحقيق جدي في أسباب حصولها، ومطالبة بعض القوى بعدم استغلالها لتأجيج الوضع السياسي.
وفيما زار رئيس الحكومة سعد الحريري صباح امس الأحياء التي شهدت الاشتباكات الدموية وجال فيها متفقداً الأضرار التي وقعت بالمحال والسيارات والمنازل، أعلن رئيس الجمهورية ميشال سليمان في كلمة له مساء أمس، أثناء استضافته إفطاراً حضرته القيادات الدينية والسياسية، أنه «لا يمكن للدولة أن تسمح لمثل الأحداث التي حصلت منذ يومين في شوارع العاصمة أن تتكرر في أي بقعة من بقاع لبنان». ودعا القيادات السياسية الى «تخفيف الاحتقان»، وأكد ان القوى الأمنية «ستقوم بدورها بمؤازرة الجيش لمواجهة أعمال العنف وفرض الأمن بصورة متشددة وصارمة». كما دعا سليمان الى ان «يصبح التوافق في لبنان دائماً لا ظرفياً وموقتاً ولا ان ينتج فقط من احتضان ودعم أخويين مشكورين».
وشيّع «حزب الله» أمس المسؤول عنه في منطقة برج أبي حيدر محمد فوزي فواز الذي كان أول الذين قتلوا في الاشتباكات، في بلدته تبنين في الجنوب. ودعا مسؤول الجنوب في الحزب الشيخ نبيل قاووق الى تحقيق جدي وعادل في الحادثة المفجعة، وهاجم «الانتهازيين الذين يستغلونها بالكلام المسموم».
وقال النائب السابق عن جمعية المشاريع عدنان طرابلسي لـ «الحياة» بعد زيارة قام بها مع وفد قيادي من الجمعية الى دمشق: «أكدنا للأخوة في سورية ان ما حصل بدأ بحادث فردي وتطور الى هجوم من جانب عناصر غير منضبطة وهذا يستدعي محاسبة المسؤولين عنه». ونقل عنه استياء القيادة السورية مما حصل. وأكد الحرص على المقاومة «ودعمنا لها». وأشار الى ان «الحادث تجاوز جمعية المشاريع الى أهلنا في بيروت التي هي للجميع». وبينما أعلن رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص انضمامه الى المطالبين بتجريد بيروت من السلاح «لحماية المواطن البريء»، أصدرت كتلة «المستقبل» النيابية برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بياناً اعتبرت فيه ان ما حصل في بيروت «أمر مستهجن ومرفوض لا يمكن القبول به تحت أي ذريعة أو مبرر أو تفسير». وسألت الكتلة: «إذا كان البعض يحمل السلاح من اجل مقاومة العدو الإسرائيلي فماذا يفعل هذا السلاح في العاصمة وبين المدنيين ولماذا استُعمل في شوارعها؟». وسألت: «لماذا لم تتدخل القوى الأمنية بالسرعة اللازمة؟».
وأكدت الكتلة ان «شعار بيروت منزوعة السلاح لن يُسمح بأن يكون شعاراً إعلامياً بل سيتم الدفاع عنه بكل الأساليب الحضارية والسلمية»، وأكدت ان «لا سلاح في بيروت إلا سلاح الشرعية والقانون».
وأكد سليمان، في كلمته خلال الإفطار: «إيماننا بحياتنا الوطنيّة المشتركة، والتزامنا بالقيم الروحيّة والإنسانيّة التي تُميّز لبنان في فرادته وتعدديته»، مذكراً بأنه أطلق الدعوة الى الحوار الوطني خلال إفطار القصر الرئاسي العام الماضي، وقال: «أثبتت الهيئة (الحوار الوطني) أهميتها وفائدتها ليس فقط من حيث سعيها المستمرّ لصياغة استراتيجيّة وطنيّة لحماية لبنان والدفاع عنه، بل لأنّها أرست نهجاً بين أعضائها وتجاه الرأي العام، يعزّز منطق الحوار والتوافق».
ولفت سليمان الى أن «جهد الدولة الإنمائي والعمراني يبقى محفوفاً بالمخاطر في ظلّ التهديدات الإسرائيليّة المتمادية ضدّ لبنان ومؤسساته وبنيته التحتيّة، مما يستوجب علينا المضيّ قدماً في بناء قوة دفاعيّة وردعيّة ذاتيّة، إلى جانب سعينا الموازي لتنفيذ القرار 1701 بكامل مندرجاته، وتحصين الوحدة الوطنيّة، ومحاربة الإرهاب وتفكيك شبكات التجسّس، وإقامة شبكة أمان سياسيّة وديبلوماسيّة على الصعيدين الإقليمي والدولي» وزاد: «من هنا دعوتي لتسليح الجيش، بُعيد تصدّيه البطولي للعدوانيّة الإسرائيليّة في عديسة، مدعوماً بجاهزيّة المقاومة واحتضان الشعب، مما يؤسّس لاستراتيجيّة دفاعيّة وطنيّة متكاملة تعتمد على مجمل قدراتنا الوطنيّة». وأوضح إنّ «البرنامج الأساسي لتسليح الجيش يقع على عاتق الدولة، وسنعمل على إقراره في الأسابيع المقبلة. وتبقى الحاجة إلى مساعدات الدول الصديقة والشقيقة لتمكين الجيش، بعيداً عن أيّة شروط عليه، من تعزيز ثوابته المتمثّلة بعقيدته العسكريّة وتمسّكه بالقيم الديموقراطيّة وتصدّيه للتعصّب والإرهاب».
وتوقف سليمان عند اشتباكات برج أبي حيدر، وقال: «لا يمكن للدولة ان تسمح لمثل هذه الأحداث ان تتكرر في اي بقعة من بقاع لبنان، فإلى جانب المسؤوليات التي تقع على عاتق القيادات السياسية لتخفيف الاحتقان وتغليب نهج التهدئة فإن القوى الأمنية ستقوم بدورها بمؤازرة الجيش لمواجهة اعمال العنف وفرض الامن بصورة متشددة وصارمة وإحالة المرتكبين على المحاكم المختصة».
وقال: «الخوف لا يصنع وطناً ولا دولة. وهو خوف مفتعل ومصطنع في جوهره في مطلق الأحوال. فإلى مزيد من الثقة ببعضنا البعض وبأنفسنا وبمقدرتنا على تخطّي الصعاب وحلّ المشاكل الطارئة عن طريق الحوار والاحتكام إلى المؤسسات»، مشيراً الى تمكّن المجلس النيابي قبل أيّام، من «إقرار مشاريع قوانين مهمة، كمشروع قانون النفط الذي يفتح آفاقاً جديدة على صعيد قدراتنا الوطنيّة ويحيي لدى اللبنانيين آمالاً مشروعة بتحسين أوضاعهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ ومشروع القانون الخاص بشؤون اللاجئين الفلسطينيين».
وأكد سليمان ان الأوان آن «كي تكون علاقة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مع الدولة ومع الشعب اللبناني علاقة سليمة وهادئة. وهذا يتطلّب توفير مستلزمات، منها ما بوشِر بمعالجته في المجلس النيابي بعيداً عن اي توجه قد يساعد على التوطين، ومنها ما نصّت عليها مقررات مؤتمر الحوار الوطني في شأن إنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومعالجة قضايا الأمن والسلاح داخل المخيمات، واحترام السيادة والقوانين اللبنانيّة النافذة. وفي هذا المجال، علينا أن نأخذ دوماً في الاعتبار، المسؤوليّة الرئيسيّة التي تقع على عاتق المجتمع الدولي، في مجالين اثنين: أولاً، توفير الحاجات الحياتيّة والإنسانيّة الأساسيّة للاجئين الفلسطينيين، من خلال دعم موازنة وكالة أونروا التي أنشئت خصيصاً لهذه الغاية عام 1948، وثانياً، إيجاد حلّ عادل وشامل لقضية الشرق الأوسط، وجوهرها قضية فلسطين، يؤكد حقّ العودة، وذلك استناداًَ لقرارات الشرعيّة الدوليّة ومرجعيّة مؤتمر مدريد والمبادرة العربيّة للسلام في كل مندرجاتها، علماً بأنّ لبنان لن يوافق على أيّ حلّ قد يتم التوصّل إليه في هذا المجال إذا ما حصل بمعزل عنه او بصورة متعارضة مع مصالحه الوطنيّة العليا».
وجدد سليمان الدعوة الى «متابعة الجهد والعمل في ورشة الداخل والتقدّم نحو الإصلاح وبناء الدولة والمؤسسات، وإنجاز ما تمّ اعتماده في البيان الوزاري لحكومة الائتلاف الوطني بالتعاون مع المجلس النيابي» ، مركزاً على أنّ «لأبناء الوطن علينا حقّ الاهتمام اللصيق بهمومهم اليوميّة والحياتيّة الملحّة، حاضراً».
وقال سليمان: «إذا كان اللبنانيون قد اتفقوا على أنّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وأن لا شرعيّة لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، فقد آن الأوان كي يعتبروا أنّ السلم الأهلي حالة دائمة ونهائيّة في لبنان». واختتم بالدعوة الى «العمل الجادّ كي يصبح التوافق في لبنان توافقاً دائماً لا ظرفياً ومؤقتاً، ولينبع من قناعات لبنانيّة ذاتيّة، لا أن ينتج فقط من احتضان ودعم أخويين مشكورين، ويصبح العيش المشترك فعل إيمان متجدّداً ونهج حياة مستمرّاً، فنحفظ الوطن، ويتعلّق به أبناؤه، ويتشبّثون بأرضه الطيّبة، ويعود إليه مغتربوه بسعادة وفخر».