مواطن يسرق الكهرباء: لا يعطوننا عداداً لأن بناءنا مخالفاً لو قطعوها سنعود للسرقة ثانية
مؤسسة الكهرباء : لدينا 100 مراقب لـ1.2 مليون مشترك ولا يمكن القضاء على السرقات
تخسر الدولة مليارات سنوياً نتيجة ضياع الطاقة الكهربائية تحت ما يسمى بالفاقد الكهربائي متضمنة السرقات والتلاعب بالعدادات، والتي تزايدت في حلب بعد قرار المحافظة منع تزويد مناطق المخالفات بعدادات الكهرباء، هذا ما اتخذه المشتركون مبررا لسلوكهم تحت مسمى الـ"شطاره والحلال".
ووصل" الفاقد" السنة الماضية في مدينة حلب إلى 27%، نصفه تقريبا يضيع في الأسلاك والعدادات ويسمى فاقد فني، والنصف الأخر هو عبارة عن سرقات بأشكال مختلفة من قبل المشتركين والمعامل(سرقة كل معمل بالملايين)، وقدرت المؤسسة قيمة الفاقد الإجمالي بـ 8.2 مليار ليرة سورية.
مواطنون برروا سرقتهم بقرار المحافظة عدم تزويدهم بالكهرباء لأنهم يسكنون مناطق مخالفة، وعبرّ بعضهم عن نيته الاستمرار بالسرقة، بالمقابل بررت الشركة عدم قدرتها على منع وضبط كل السرقات بسبب ضعف كادر المراقبة(100 مراقب) لنحو 1.2 مليون مشترك.
بحسب مصدر مطلع في مؤسسة الكهرباء "تزايدت حالات السرقة في عام 2009 حيث بلغت ( 15960) ضبطاً، وسجلت عدد سرقات الكهرباء منذ بداية العام 2010 ولغاية تاريخه (1335) ضبطاً".
وكشف المصدر لسيريانيوز تفاصيل تلك السرقات "في المعامل والمصانع بلغت حالات السرقات ( 500) سرقة وتصل قيمة الطاقة الكهربائية الضائعة أو المسروقة في بعض المعامل إلى الملايين كمعمل وصلت قيمة سرقته من الطاقة الكهربائية 23 مليون ليرة عام 2005 ومعمل وصلت قيمة سرقاته (14) مليون و 800 ألف ليرة عام 2007 ، وفي العام 2010 بلغت سرقة معمل في الليرمون 5 ملايين ليرة ، ومشفى في المعادي بلغت سرقته 5 ملايين و 280 ألف ليرة ، و معمل بلغت سرقته ( 8579) ألف ليرة في المدينة الصناعية بالشيخ نجار"، وبحسب معلومات ذات المصدر(مسؤول بالشركة) فان كل "سرقة لمصنع أو معمل بحلب تبلغ عادةً أكثر من مليون ليرة سورية" .
تزايد سرقة الكهرباء من عام لآخر
"سرقات الكهرباء تزداد من عام إلى آخر وتتركز أغلب ضبوط السرقات في مناطق المخالفات ومناطق السكن العشوائي وجمعيات السكن الشبابي والأبنية المستحدثة والجمعيات السكنية و منها جمعية تشرين" حسب ما أوضحه مدير شؤون المشتركين في الشركة العامة للكهرباء المهندس فاضل عساف .
وتابع : "السرقات نوعان سرقة مباشرة من الشبكة العامة وهي سرقة بدون عداد عن طريق الأشرطة أو الكابلات، وهناك سرقة غير مباشرة كالتلاعب بالعداد أو توصيلاته أو ربطه أو بمسنناته أو بأختامه بحيث تسجل نسبة مئوية في العد الصحيح للعداد" .
وعن سرقات المعامل من الكهرباء أوضح المهندس عساف : "يجب التفريق بين أنواع المعامل فهناك معامل كبيرة و ورشات يطلق عليها تسمية معمل، وبالنسبة للمعامل التي تسرق الكهرباء فإن الشركة تقوم بدورها في استرداد القيمة المالية المسروقة، و من ثم الإحالة إلى القضاء" .
ورأى المهندس حسين عجان الحديد رئيس شعبة مراقبة الأحمال و العدادات :" دوافع السرقة دنيئة في نفسية المشترك أو الحاجة ، وهنك أسباب أخرى كحال المواطن الذي ليس لديه عداد ولا يتقدم بطلب اشتراك عداد من الشركة فمنهم يبيحون لنفسهم السرقة ".
وتابع "لا يوجد مقياس لأكثر المناطق سرقة للكهرباء و إنما يعود الموضوع إلى نفسية المواطن و تربيته وأخلاقه".
ويرجع رئيس شعبة قمع المخالفات المهندس محمود البج سبب سرقة الكهرباء في مناطق المخالفات إلى "قلة الوعي في المناطق العشوائية، و50 % من سكان هذه الأبنية لو سمح لهم بتركيب العدادات سيلجؤون إلى شركة الكهرباء من أجل الإشتراك وعدم الإستمرار في السرقة والقسم الآخر سيستمر بالسرقة ولو كان لديه عداد ، وذلك حسب احتكاكنا اليومي بالمواطنين " .
وأشار البج إلى "وجود سماسرة يجب تحذير الناس منهم حيث يأتي أحدهم إلى أحد الناس الذي نظم بحقه ضبط سرقة كهرباء و يعده بتسوية وضعه بالشركة بعد أن يأخذ منه مبلغاً ما ثم يختفي ذلك السمسار، وقد تم ضبط العديد منهم".
ويربط مدير التخطيط في شركة الكهرباء المهندس رزق الله "ورد الارتفاع الدراماتيكي المفاجىء في الفاقد الكهربائي بسرقات الكهرباء " وبالعودة لجدول مبيعات الطاقة لعام 2008 و 2009 فإن وسطي الفاقد الفني و التجاري في كل دورة حوالي 310 ملايين كيلو واط ساعي ، و إن 47 مليون كيلو واط ساعي ما تخسره الشركة في كل دورة بسبب عدم إبرام عقود للمشتركين في مناطق المخالفات مع الإشارة بأن هذه النسبة ستتفاقم و تزداد مالم تحل المشكلة ".
أين يفقد "الفاقد الكهربائي"
حسب دراسة تقديرية بمديرية التخطيط في شركة الكهرباء.هناك نوعان من الفاقد ( الفاقد الفني ) والذي يضيع في خطوط النقل والمحولات و بالتجهيزات الفنية "أسلاك ضعيفة ، قلة صيانة ، ارتفاع درجات الحرارة ، صيانة المحولات و المحطات ..." و( والفاقد التجاري ) وهو يفقد وفي السرقات و التلاعب بالعدادات، وقد وصل الفاقد الفني عام 2009 إلى 13 % من اجمالي 27.14% و الذي يبلغ بالليرة 8.2 مليار ليرة سنوياً" وبالتالي فان السرقات تشكل اكثر من 14% وتتجاوز 4 مليارات.
وبحسب شركة الكهرباء في حلب "هناك سرقات اضطرارية كعدم تغذية مناطق المخالفات العشوائية، فهناك 14 منطقة مخالفات في حلب تستجر الكهرباء بشكل مباشر بسبب قرار عدم تغذية مناطق المخالفات التي تم تشييدها بعد عام 2001 كمناطق تل الزرازير ، السكري، باب النيرب ، الفردوس ، جبل بدرو ، منطقة نهاية الأشرفية ، كرم الدعدع ، الميسر ، صلاح الدين – أرض الناصر و أرض الصباغ – المقبرة الإسلامية ، الصالحين .
وتساءل مدير التخطيط في الشركة "لماذا لا تحل مشكلة مناطق المخالفات و يتم تزويدهم بالعدادات لأنهم يسرقون الكهرباء على كل الأحوال ، وخاصة أن سرقة مناطق المخالفات للكهرباء تؤثر على خطوط الشبكة وبالتالي على الفاقد الفني ..".
أهالي مناطق المخالفات يبررون
"لا يمكننا العيش بلا كهرباء ، و نحن فقراء ونعيش في سكن مخالف، ونضع كل (مونتنا في الفريزا) فماذا أفعل بعدما قطعتم الكهرباء"، يصرخ مواطن في وجه عامل مراقبة من شركة الكهرباء – هذا هو حال الكثير من الأهالي ولا سيما في مناطق المخالفات، فأبو محمد بأحد مناطق المخالفات (الفردوس) قال "لا يعطوننا عداداً لأن بناءنا مخالف ولا أحد ينام ببيته بدون كهرباء ولذلك نسرق الكهرباء و لو قطعتها الشركة سنعود للسرقة ، اذهبوا وحاسبوا المعامل التي تسرق الكهرباء بالملايين " .
بينما أبو حسن في حي الصالحين يسرق الكهرباء لسبب آخر " لقد أصلحوا عداداً في بنائنا فتعطل عدادي لذا اضطررت لسرقة الكهرباء " .
بينما أحد المواطنين قال " تمت مخالفتي بسبعة آلا ف ليرة لسرقتي الكهرباء ومع ذلك عدت للسرقة مرة أخرى وحلال على الشاطر".
وعبرّ الكثير من الأهالي عن معاناتهم المزدوجة بغلاء المازوت من جهة وحرمانهم من تركيب عدادات في مناطقهم المخالفة لذا اضطروا للسرقة .
سرقة الكهرباء " حرام " شرعاً
المشكلة الكبيرة عدم قناعة الكثير من الناس بان سرقة الكهرباء حرام ، وتحليل الكثير لنفسه سرقة الكهرباء وللوقوف على رأي الشرع في سرقة الكهرباء يشدد الدكتور محمود عكام مفتي حلب على حرمانيتها قائلاً "هي سرقة من مال الدولة ومال الشعب والأمة ومال اليتامى والأرامل و الفقراء، ولا يمكن أن يكون جائزاً وهي حرام وحرام مركب وهي بالإضافة إلى أنها سرقة شنيعة هي مخالفة للقانون، وهي خيانة كبرى وعظمى كمن يساعد العدو على سرقة أموال الأمة، و الأنكى من هذا أن من يسرق يعتقد أن الأمر حلال وليس فيه شيء، وهذا يزيد الموضوع تعقيداً وسوءاً "
وتابع : " نحذر الناس من السرقة ، ونقول للمسؤولين إياكم والإستكانة والإهمال فهم المسؤولون عن أموال الأمة ورعايتها وحفظها فكما إن السرقة حرام والإهمال حرام أيضاً ، ولا نريد أن تضيع الأموال بين سرقة و إهمال".
موظفون مسيؤون
السرقة لا تتوقف على المشتركين فقط، وقد تم الكشف عن "عملية تزوير وتلاعب بعدادات كهربائية قام بها عاملان لدى الشركة العامة لكهرباء حلب لصالح "محمد . ج" وهو صاحب معمل خيوط بمنطقة النقارين، حيث تم ضبط ثلاثة عدادات كهربائية بأختام بلاستيكية مزورة في ذلك المعمل، وقد اعترف محمد بالتلاعب بتلك العدادات عن طريق موظفين في شركة الكهرباء وهما جمعة.ح و عبد القادر. م لقاء مبلغ مالي وقدره تسعة آلاف ليرة دفعه لهما".
ولدى مراجعة الشركة تبين أن "عبد القادر توفي منذ أشهر بحادث كهربائي، و أن جمعة مسجون بسجن حلب المركزي، حيث اعترف بتغيير أختام الشركة بأخرى مزورة" .
من جانبه أفاد معاون المدير العام لشركة الكهرباء المهندس محمد شريح : " نحن في شركة الكهرباء من أبلغ فرع الأمن في سرقة الكهرباء المذكورة أعلاه ، لأن من يخالف القانون في الشركة يعاقب ولدينا عقوبات إدارية وهناك عقوبات بالإحالة إلى الرقابة الداخلية للتحقيق مع الموظف المسيء وتصل العقوبة إلى حسم 5 % من الراتب ويمكن أن تصل إلى التسريح من الوظيفة و قد نسلمه للشرطة إذا شعرنا أن هناك ذيولاً لتلاعب الموظف، والموظف المذكور أعلاه تم تسريحه و إحالته للقضاء ".
مشتركون يعاقبون المراقبين
و أوضح المهندس محمود لبابيدي رئيس دائرة مراقبة الأحمال و السرقات معاناة دائرته مع المواطنين مشيراً إلى وجود خطرين يواجهان عمال شركة الكهرباء وهما "خطر الكهرباء فالعمال غالباً ما يصابون بحروق شديدة أثناء عملهم ولا يمر عام إلا و يستشهد عامل أو إثنان خلال تأديته لعمله، و الخطر الثاني وهو خطر بعض المواطنين من خلال تعاطيهم مع موظفي شركة الكهرباء ، فقد رمى أهالي سكان المقبرة الإسلامية عمال الكهرباء بالحجارة واعتدوا على عناصر الشرطة المرافقين لعمال الكهرباء كمؤازرة" .
ويتحدث عمال في دائرة الأحمال والسرقات عن معاناتهم بالتعامل مع بعض الناس فعندما أرادوا فحص عداد كهرباء منزل في حي الجزماتي ليتأكدوا هل هناك سرقة أم لا ، خرجت إليهم امرأة نصف عارية من ذلك المنزل وقالت لهم إن كنتم رجال إدخلوا إلى المنزل، وقتها لم يستطيع العمال الدخول و فحص العداد .
وتابع العمال الحديث عن معاناتهم في إساءة بعض الأهالي لعمال الشركة "في حي الحيدرية أدخل سكان عمال الكهرباء إلى دكان و أغلقوا عليهم الباب قائلين لهم- سنسجنكم حتى الصباح لكي لا تعودوا وتفحصوا عدادات الكهرباء هنا " .
وهناك عدد من المواطنين انتحلوا صفة موظف في شركة الكهرباء و أخذوا من الناس مبالغ مالية كبيرة كغرامة عن سرقاتهم في الكهرباء وهذه الحالات تكررت وخاصة في الأحياء الشعبية منها حالات في صلاح الدين و الكلاسة وهنانو ، ويذكر مدير شعبة العدادات و الأحمال المهندس حسين عجان الحديد : "منذ أعوام كانت هناك عصابة تدعي بأنها من شركة الكهرباء مؤلفة من ثلاثة أشخاص ومعهم دفاتر مخالفات ينصبون بها على المحال التجارية بحجة ازدياد الإستطاعة الكهربائية لمحالهم ، وقد تبين بأن شخصاً من الثلاثة كان موظفاً في شركة الكهرباء و طرد منها سابقاً " .
القضاء على السرقات ... قضاء و قدر
يستغرب مدراء في شركة الكهرباء سؤالنا عن إمكانية القضاء على سرقات الكهرباء فالمهندس حسين عجان الحديد يسلم" بوجود الخير و الشر في الحياة فالقضاء على سرقات الكهرباء يشبه القضاء على الشر ، فهناك في حلب مليون و 200 ألف مشترك وفي شركة الكهرباء يوجد 100 موظف مراقبة وهذا العدد لا يكفي لمدينة بحجم حلب وريفها الكبير ".
ويستبعد المهندس عجان الحديد أن "يكون الحل في الساعات الإلكترونية فالمشترك الذي يريد سرقة الكهرباء لا تردعه الساعة الإلكترونية ، ولكن الحل يتمثل باستمرارية الملاحقة و المتابعة الدائمة والمستمرة لضبط هذه المخالفات و السرقات وزيادة عناصر المراقبة و الآليات لأنه كلما ازدادت إمكانيات مراقبة الشبكة يتم الحصول على نتيجة أفضل" .
والقانون يعاقب السارقين
يذكر إن المرسوم التشريعي رقم 60 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر و بالغرامة من ثلاثة آلاف إلى مائة ألف ليرة و تضاعف العقوبة في حال التكرار وفصل القانون الحالات التالية : "كل من أقدم على سرقة الطاقة الكهربائية من الشبكة العامة للكهرباء أو سهّل العمل بها وكل شاغل العقار الذي ارتكبت فيه السرقة و استفاد من هذا الفعل أو سهل القيام به ، و كل عامل في الجهة المعنية بالاستثمار أو أي جهة عامة أخرى ساهم أو استغل وظيفته ليسهل ارتكاب الجريمة المشار إليها في البندين السابقين أو إعاقة كشفها أو ضبطها أو ملاحقتها أو منع ذلك أو لم يقم بواجبه ما لم يقع الفعل تحت طائلة عقوبة أشد" .