ينزع بعض الشبان في المغرب ٳلى العيش بمفردهم بعيدا عن العائلة. وبالرغم من رفض عديد الأسر ظاهرة انفصال أبنائها، فإن بعض الشبان يرون فيها تمردا وبحثا عن الاستقلالية، وتتباين آراء الخبراء الاجتماعيين في تفسير الظاهرة
يُقْدم بعض الشبان في المغرب على الانفصال عن عائلاتهم رغبة منهم في بناء شخصيتهم وحياتهم بإستقلالية. وبدأت ظاهرة الٳنفصال عن العائلة تتسع، حسب باحثين في علم الاجتماع، وخصوصا في الأحياء الراقية من المدن الكبرى. ويبدو أن هذا التحول بدأ يحدث شروخا في نمط الحياة التقليدية للأسرة المغربية التي ظلت عبر التاريخ تتميز بالمحافظة على التقاليد وعلى تماسك الأبناء والأحفاد.
محمد، شاب 26 سنة ، اختار الٳستقرا وحيدا في غرفة بحي الانطلاق وسط العاصمة الرباط، يقول محمد إن ''الٳستقرار مع العائلة يولد الكسل والصراع مع الٳخوة ويفقد الكثير من الحيوية في حياتي". ويوضح محمد أنه يريد أن يعتمد على نفسه في بناء حياته المادية والشخصية.
أما عائلة محمد فقد اقتنعت بأفكار ابنها بصعوبة، ويقول عبد الرحيم والد محمد ''ٳذا كان ابني قادرا على تكوين حياته بالٳعتماد على نفسه، فلا مشكل بالنسبة ٳلي". لكن الأب يقر أنه الٳبن الوحيد من بين أبنائه الخمسة الذي أقدم على الٳنفصال عن العائلة، بالرغم من تحفظ الأسرة في البداية.
لكن ليست كل الأسرة المغربية مثل أسرة محمد، فالقطاع الأوسع منها ما يزال يرفض فكرة انفصال الأبناء، فيما يؤشر على صراع قيم داخل الأسرة المغربية كما يقول عالم الاجتماع المغربي عبد الصمد الديالمي في حوار مع دويتشه فيله.
"بحث عن تحقيق الذات"
ويلاحظ عالم الاجتماع المغربي عبد الصمد الديالمي أن الشبان الذين يقدمون على الإنفصال عن العائلة، تدفعهم في غالب الأحيان طموحات وتتمثل أساسا في تكوين شخصيتهم وحياتهم بإستقلالية، وبالتالي التخلي عن العائلة التي يتولى عادة الأب تدبير شؤونها.
ويقول الديالمي إن ظاهرة الانفصال عن العائلة تتسع في الأحياء الراقية في المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء، موضحا أن السبب في الٳنفصال هو''الرغبة في الٳستقلال بالذات وٳحداث طلاق مع العائلة''.
وحسب الديالمي ''هناك آباء تكلفوا ماديا بشراء شقق لأبنائهم قصد العيش بمفردهم "، ويشير عالم الٳجتماع المغربي الى أن الآباء يلعبون دورا في هذه الظاهرة، حيث يؤيدون رأي أبنائهم ورغبتهم في الٳستقلال وبناء حياة خاصة بهم.
محمد الخضيري وهو كاتب صحفي بقسم المجتمع بمجلة" نيشان" المغربية المتخصصة في طرح قضايا المحرمات والتابوهات في المجتمع، يرى أن الظاهرة اتسعت فعلا في ظل التحولات المجتمعية التي قلبت عددا من الأنماط التقليدية السائدة لدى الأسرة المغربية. ويوضح الخضيري لدويتشه فيله بأن الاستقلال عن العائلة يساهم في الٳنفتاح على عالم آخر ''قد لايوفره العيش وسط نمط تقليدي يتبنى تسيير شؤون الأبناء والأحفاذ بأسلوب سلطوي''. ويقر الخضيري أن الأسر المغربية بدأت تتحول من عائلة كبيرة ٳلى وحدات صغيرة تتكون من بضع أفراد أو فرد واحد يرغب في الٳستقلال المادي والمعنوي عن أصوله.
وفي رده على سؤال حول ماٳذا كانت مدونة الأسرة الجديدة لعبت دورا في هذه الظاهرة، قال الباحث الديالمي ''مدونة الأسرة عالجت أمورا مثل الزواج والطلاق، أما ظاهرة الٳنفصال عن العائلة فهي مرتبطة بسلوك وقيم الشباب".
أزمة تواصل مع العائلة
الأمهات يحرصن على التواصل مع الأبناء حتى بعد انفصالهمBildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift: الأمهات يحرصن على التواصل مع الأبناء حتى بعد انفصالهم
ورغم وجود آباء يساعدون أبناءهم في العيش بمفردهم . يعتبر الشاب أحمد 27 سنة أن مشاكل اعترضته في التواصل مع ٳخوته الذين يعيشون في بيت عائلي متواضع .وقال أحمد أنه بالرغم من كل المحاولات لتسوية مشاكل عائلية فان أشقاءه تسببوا له في متاعب نفسية بسبب اختلاف الآراء، كما يقول.
وأضاف أحمد أن "غياب تواصل إيجابي داخل العائلة يساعد في الٳنفصال عن الأسرة". وبالرغم من عدم رضى أسرته عن انفصاله يقول أحمد ''أصبحت مرتاحا نفسيا، وأشاهد الأفلام ومباريات كرة القدم بعيدا عن الضجيج ووالدتي أزورها كل جمعة''.
ويرى الخضيري أن بعض العائلات ترغب في الحفاظ على أبنائها وسط كنفها بالقوة، مما يتسبب في مشكل تواصل داخل الوسط الأسري الذي يدفع بالأبناء ٳلى الٳنفصال قسرا عن العائلة. ويعتبر الكاتب الصحافي المغربي أن سلوكيات الأسر الفقيرة يفرض فيها الآباء أسلوبا سلطويا،لأن أبناء الأحياء الراقية لايرون في انفصال أبنائهم مشكلة. خالد الذي رفضت والدته رقية الانفصال عنها، يقول خرجت من المنزل واكتريت شقة بحي السلام بمدينة سلا و"أصبحت مستقلا بنفسي لأنني أعلم بشؤون حياتي الخاصة".
من جهته يعتبر الديالمي أنه اذا كان أبناء الأحياء الراقية أكثر رغبة في الحياة بمفردهم، فٳن بعض الأسر وجلها من الفقراء، تحاول أن تفرض البقاء على أفرد أسرتها تحت سقف واحد، والسبب، كما يقول الديالمي، هو التذرع بالتربية الدينية قصد الوصول ٳلى أهداف خاصة.
وتقول رقية والدة خ. الذي انفصل عنها بمدينة سلا المجاورة للرباط ، في حديث لدويتشه فيله، إنها ترفض انفصال ابنها عن البيت العائلي المتكون من ستة أفراد. واعتبرت رقية أن ما قام به ابنها مخالف للقيم والأعراف المغربية، وهي ما تزال تحاول إقناع ابنها بالعودة الى بيت العائلة بحي الانبعاث بمدينة سلا. وأكدت الأم أن ماقام به بنها جلب لها "وصمة عار" داخل عائلتها المتحدرة من الصحراء الشرقية للمغرب.
صراع قيم
وحول تفسيره لسلوك الشبان الذين ينزعون الى الإنفصال عن أسرهم، يعتقد الكاتب الصحافي محمد الخضيري بأن عدم القبول ببعض شروط العائلة والتمرد عليها يعبر في حد ذاته عن نزعة تحديثية لاتقبل بالقرارالجماعي الذي تتبناه الأسرة. وفيما يخص منع بعض الشباب بكل الطرق عن الانفصال عن العائلة، يقول الخضيري هناك شباب خرجوا من كنف عائلاتهم واستقروا في مدن أخرى كرد فعل عن تصرفات تقليدية.
من جهته يرى الباحث الاجتماعي، عبد الصمد الديالمي، أن التمرد على القيم نزعة تكتسح كل فئات المجتمع، ويقول في هذا الٳتجاه ''فقدنا الكلمة والأخلاق وتمردنا على عدد من القيم لكننا لم نصل الى الحداثة بمفهومها الحقيقي''. وأضاف الديالمي أن الظروف المعيشية ساهمت في طريقة ردود أفعال الشباب على القيم التقليدية. ويرى الديالمي أن كل فرد داخل المجتمع يستطيع أن يغير سلوكياته نتيجة التحولات التي يشهدها محيطه الاجتماعي.
السبت سبتمبر 04, 2010 5:28 pm
