يفجع أهالي دير الزور والرقة صباح كل يوم بأخبار جديدة عن حوادث الغرق في نهر الفرات ، حيث كشفت مصادر مسؤولة لسيريانيوز عن تجاوز الرقم 65 حالة غرق منذ بداية موسم الصيف لهذا العام حتى الآن، أغلبهم من فئة الشباب.
رغم ان حوادث الغرق وأخبارها أصبحت شيئاً اعتيادياً للأهالي ، الا ان الأرقام الرسمية لهذا الصيف تشير الى تصاعد ملفت لعدد الضحايا بالمقارنة مع الأعوام السابقة، هذا ما دفعهم للمطالبة بخطوات عملية وحلول جدّية تحد من استمرار مسلسل الموت المجاني لأبنائهم.
ارتفاع أعداد الغرقى يُثير مخاوف أهالي دير الزور
يناشد أهالي دير الزور المسؤولين "اتخاذ إجراءات صارمة، لمنع السباحة في عدد من المناطق الخطرة على امتداد النهر، خوفاً على أبنائهم من مصير مجهول قد يودي بحياة أحدهم".
اعتبر والد أحد الغرقى- فضل عدم الكشف عن اسمه- خلال حديثه لـسيريانيوز إنّ "عدد الذين غرقوا خلال الفترة القصيرة الماضية يعكس عدم حرص المسؤولين على معالجة هذه المشكلة، التي باتت جزءاً من الحياة اليومية، فابني ذو الـ 18 عام ذهب للسباحة في النهر مع أصدقائه، دون وجود أي إعلان أو شواخص تُحذّر من السباحة في الأماكن الخطرة ذات التيّار السريع، والمحتوية على صخور حادّة تتسبّب بالموت"، مشيراً إلى أنّ "أغلب حالات الغرق تحدث بسبب عدم معرفة الشخص بطبيعة وموقع المناطق الخطرة المنتشرة على امتداد النهر".
بدوره قائد فوج إطفاء دير الزور العقيد بشير العمر، أوضح في حديثه لـسيريانيوز أنّ "هنالك لوحات إعلانية موجودة وموزّعة في المناطق غير المناسبة للسباحة، كالمنطقة الواقعة تحت الجسر المعلق، حيث تمّ وضع هذه اللوحات (الدالات) من قبل مجلس مدينة دير الزور ومديرية الزراعة، على مستوى المحافظة وفي أماكن التواجد البشري"، مضيفاً: "يتم بشكل دائم تسيير دوريّات مشتركة من قبل قيادة الشرطة، والإطفاء، والدفاع المدني، والزراعة، والثروة السمكية، لمراقبة ومنع السباحة في عدد من المواقع على امتداد النهر".
أسباب متعدّدة.. والنتيجة واحدة
اعتاد أهالي دير الزور بمجرّد قدوم فصل الصيف، على الذهاب والسباحة في نهر الفرات، الذي يقسم المحافظة إلى قسمين، ويجري فيها لمسافة 200 كم. وشكّلت هذه المساحات المائية الشّاسعة خطراً كبيراً على حياة الكثيرين، ممّن يذهبوا للسباحة دون دراية أحد. وعلى الرغم من تعدّد أسباب حوادث الغرق، تبقى النتيجة واحدة وهي سلسلة من الضحايا تزداد عاماً بعد عام، حيث تُشكّل فئة الشباب النسبة العظمى من حالات الغرق.
وعن الأسباب التي تؤدي إلى حصول الغرق، أشار أحد غواصي قائد فوج الإطفاء في دير الزور السيد رياض مغير، خلال حديثه لـسريانيوز إلى أنّ "نسبة حالات الغرق في المدينة هي أكثر منها في القرى الموزّعة على مجرى النهر، بسبب عدم معرفة ابن المدينة بطبيعة بعض المناطق النهرية التي تشكّل خطراً على حياته عند السباحة فيها، كمنطقة رأس الكسر، وحويجة صكر، وأسفل الجسر المعلق، والبغيلية"، مضيفاً أنّ "ارتفاع وانخفاض منسوب النهر بشكل مفاجئ، والسباحة لمسافات بعيدة، وإلقاء الشخص بنفسه نحو المياه من ارتفاعات عالية، والسباحة في أماكن التيّارات الشديدة والمحتوية على صخور حادّة، والنزول للنهر ليلاً، تُعدّ أبرز أسباب حالات الغرق، إضافة إلى عدم معرفة البعض للسباحة أحياناً".
إصرار على السباحة في النهر في ظل وجود مسابح خاصة
غريق بعد انتشال جثته
رغم استيقاظ أهالي دير الزور على أخبار انتشال الجثث بشكل شبه يومي، يُصرّ عدد كبير من شريحة الشباب على الذهاب إلى النهر والسباحة في مياهه، دون دخول المسابح الخاصّة "غير الصحيّة" على حد تعبيرهم. وتعاني أغلب مسابح دير الزور من تدنّي مستوى خدماتها، بما لا يتناسب مع غلاء أسعارها، التي تتراوح ما بين 50-500 ليرة مقابل الدخول والسباحة لساعتين أو أقل. الأمر الذي يدفع بكثيرين للذهاب للسباحة والاستمتاع لساعات طويلة في مياه نهر الفرات دون مقابل. وأعرب الشاب (طارق جميدة) البالغ من العمر 22 عام، لـسيريانيوز، عن استيائه من الخدمات المتواضعة التي تقدّمها بعض المسابح المنتشرة في المدينة، مشيراً إلى أنّ "سبب العزوف عن هذه المسابح غير المتكاملة هو قذارة مياهها، وتجمّع الطحالب والإشنيات فيها بشكل واضح، ووضع الكلور بكميّات فائضة في بعض الأحيان مما يُضرّ ببعض مناطق الجسم".
أرقام وإحصائيات
وحول الإحصائيات الرسمية المسجّلة لعدد الغرقى، ذكر قائد فوج إطفاء دير الزور العقيد بشير العمر، لـسيريانيوز أنّ "هنالك أكثر من 40 حالة غرق حتى الآن منذ بداية موسم الصيف لهذا العام، أغلبها من فئة الشباب"، مشيراً إلى أنه "لم يتم تسجيل هذا العدد من حوادث الغرق منذ سنوات". وأعزى سبب ذلك إلى "ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، وطيش واستعراض البعض أثناء السباحة، من خلال رمي أنفسهم من على الجسر المعلق نحو المناطق المائية الخطرة، وعدم ممارسة الأهل الرقابة على أبنائهم بمنعهم من الذهاب للسباحة في النهر".
ولا تقتصر حوادث الغرق على المدينة وحدها، بل تمّ تسجيل أكثر من 10 حالات في عدد من القرى، كان نصيب البوكمال منها 7 حالات خلال الشهرين الأخيرين فقط. وتُعدّ السواقي (قنوات مائية لري الأراضي) عامل آخر يساهم في حصول حوادث الغرق، إضافة إلى وجود النهر، حيث تُشكّل مسابح صغيرة مناسبة لقدوم الأطفال والسباحة فيها بعيداً عن أنظار الآخرين. وشهد هذا العام وفاة 3 أطفال غرقوا بهذه السواقي المائية.
ولم تكن محافظة الرقة بمعزل عمّا يجري في دير الزور من حوادث للغرق، على اعتبار أنّ نهر الفرات يجري فيها لمسافة 186 كم، إضافة إلى وجود مسطحات مائية أخرى، كبحيرة الأسد وبحيرة البعث.
من جهته أوضح نائب قائد فوج إطفاء الرقة، السيد محمد الصالح، في اتصال لـسيريانيوز أنّ "عدد حالات الغرق المسجّلة لهذا العام بلغت أكثر من 25 حالة، وهو ما يتجاوز الأرقام الحاصلة في السنوات الفائتة"، مشيراً إلى أنّ "أغلب حوادث الغرق تكون منفردة، وتكثر في المدينة على حساب القرى، إضافة إلى وجود بعض حالات الغرق الجماعية، كالتي شهدها الشهر الفائت عندما توفي 6 أشخاص غرقاً في حادث سير، ويوجد حالات أخرى تحدث باستمرار أثناء غسيل الصوف على النهر".
حلول دون المطلوب
في ظل استمرار تزايد حالات الغرق لهذا العام، وتبادل المسؤولية بين المواطن والجهات المعنيّة، تبقى الحلول المطروحة على مرّ السنين دون مستوى آمال الأهالي لإيقاف هذه الظاهرة التي قد تستمر لسنوات قادمة أخرى.
وهذه الحلول، أشار إليها العقيد بشير العمر لـسيريانيوز بقوله: "هنالك توجيهات من محافظ دير الزور المهندس حسين عرنوس، بمنع السباحة بنهر الفرات في المناطق ذات التيّار الحاد والخطر، التي شهدت العديد من حالات الغرق، إضافة إلى وضع فرق الإنقاذ المائي التابعة لفوج إطفاء دير الزور بحالة تأهب دائم، للتدخل المباشر في حال وقوع الحوادث".
لكن يبقى السؤال: هل هذه الإجراءات كافية بوقف حوادث الغرق بشكل نهائي وصحيح؟؟!.