وصلتني على موقعي رسالة تبين أن إحدى شركات الإعلان أنشأت إعلانا ضوئيا بالقرب من إحدى المزارع، فلاحظ المزارع أن محصول الأرز في المنطقة المحيطة بالإعلان الضوئي الكبير قد انخفض، وتقدم للمحكمة بدعوى ضد شركة الإعلان، وأيد الخبراء ظن المزارع أن الضوء الليلي هو سبب انخفاض محصول الأرز، وسألني السائل هل هناك علاقة بين ما حدث بسبب الإعلان وقول الله تعالى "وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" "الرعد:3"؟.
فعلا هناك علاقة وطيدة بين الضوء القوي المنبعث من الاعلان وانخفاض المحصول، وتوجد علاقات بيئية وحيوية بين الأرض والأنهار والثمرات والليل والنهار كما ورد في الآية.
فالأرض هي البيئة الصالحة للزراعة ومد الجذور النباتية، وتثبيت النبات، والحصول على المعادن والأملاح وبعض المخصبات الأرضية. والأنهار هي من مصادر المياه العذبة الرئيسة في عمليات الزراعة، ومن دون الماء فلا إنبات، ولا نمو ولا حياة للنبات.
وهناك علاقة وطيدة بين الليل والنهار والثمرات النباتية المتعددة الأجناس والأنواع والأصناف وأزواجها، فكل الثمار النباتية آتية من نتائج عملية التلقيح بين حبوب اللقاح المذكرة والبويضات المؤنثة للنبات.
وتتابع الليل والنهار "يغشي الليل النهار" مهم للنبات وإنتاج الثمار، ففي النهار يقوم النبات بعملية البناء الضوئي وبها يستطيع النبات تحويل الطاقة الضوئية للنهار إلى طاقة كيمياوية مخزنة في الروابط بين جزيئات المواد الغذائية الناتجة في النبات وتخزينها في مخازن الطاقة في النبات في جزيئات ج الحفل، والتسجيل "ATP" و"ADP" أي الادينوزين ثلاثي الفوسفات والادينوزين ثنائي الفوسفات.
وفي البناء الضوئي يثبت النبات "في النهار" ثاني أكسيد الكربون الجوي على هيئة ذرات كربون في المواد الغذائية النباتية مثل السكريات والدهون. وفي البناء الضوئي النهاري يقوم النبات بشطر الماء إلى أكسجين يصعد في البيئة الخارجية في الجو، وهيدروجين يرتبط بذرات الكربون المثبتة بالبناء الضوئي وتكون المحصلة النهائية لهذا هو تفاعلات الضوء في البناء الضوئي. يلي تفاعلات الضوء تفاعلات الظلام في دورة منظمة تسمى دورة "كالفن" نسبة الى مكتشفها "كالفن". وتكون المحصلة النهائية لتفاعلات الضوء وتفاعلات الظلام تكوين المواد الكربوهيدراتية التي منها ينتج باقي المواد والمركبات النباتية.
وتتابع الليل والنهار بصورة تدريجية مهم في انسياب عمليات البناء الضوئي، وهنا قال الله تعالى: "يغشي الليل النهار"، وقال تعالى: "يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا" "الأعراف:54" أي يغطى النهار بالليل فيذهب ضوؤه "كلمات القرآن تفسير وبيان- حسنين محمد مخلوف" "ص 89".
إذن، تتابع الليل والنهار مهم لعملية البناء الضوئي وتكوين الثمار. كما أن تتابع اختلاف الليل عن النهار إضاءة وإظلاما وطولا وقصرا، وشدة يؤدي إلى تكوين هرمون الإزهار، وهذا الهرمون مهم في إحداث عمليات الإزهار في النباتات الزهرية.
وهناك نباتات الليل الطويل وهي نباتات تحتاج إلى فترة إظلام مستمرة لا تنقطع لا تقل عن عدد معين من الساعات، وإذا قطعنا ليل هذه النباتات بإضاءة صناعية اختلت عمليات تكوين هرمون الإزهار وإنتاج الأزهار وما يستتبعها من عمليات تلقيح وإخصاب ونمو للمبيض وبعض الأجزاء الأخرى في الزهرة لتكوين الثمار وما بداخلها من بذور، وتكوين الحبوب.
إذن اللوحة الإعلانية تسببت في قطع الليل في الحقل المحيط بها مما أدى إلى الإقلال من المحصول بالتأثير في تكوين هرمون الإزهار، وإثبات هذا التأثير يحتاج إلى خبراء يقررون ذلك ويتفكرون في السبب؛ لذلك ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" "الرعد:3"، يتفكرون في أهمية تتابع الليل والنهار واختلاف فترات الليل والنهار، كما قال تعالى "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار... لآيات لقوم يعقلون" "البقرة:164" فقد بينت الآية أهمية اختلاف الليل والنهار في الإضاءة والطول وغيرهما، وقال تعالى "وسخر لكم الليل والنهار" "النحل:12".
وقال تعالى "يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار" "النور:44"، كل هذه الآيات عن الليل والنهار وغيرها في القرآن الكريم تبين أهمية أن يغشى الليل النهار؛ ثم قال تعالى في الآية التالية "وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" "الرعد:4".
فالأرض واحدة، والماء واحد، والعوامل البيئية الخارجية واحدة "قطع متجاورات" ولكن تختلف الثمار والنباتات والجنات، وهنا إشارة خفية إلى وجود عوامل خفية تخص كل نبات وهي عوامل داخلية بعدما ثبت الله تعالى العوامل الخارجية "الأرض، والماء، والبيئة المتجاورة".
وبالتفكير العلمي والعقل نستنتج أن هناك العوامل الوراثية الداخلية الخفية في كل نبات وهي المحدد الرئيسي في اختلاف اللون والطعم والرائحة والهيئة، فلكل جنس نباتي خريطة وراثية وجينية تحدد شكل النبات، وطوله، وخصائص ثماره، فهناك الثمار الحلوة، والثمار المرة، والثمار القابضة الطعم، وهناك أنواع الجنس الواحد كالتفاح السكري، والتفاح الحامضي والتفاح الأحمر والأصفر والأخضر، فالجنس واحد "تفاح" والأنواع والأصناف مختلفة، ويزرع في وقت واحد وفي أرض واحدة ويسقى بماء واحد، "ونفضل بعضها على بعض في الأكل".
فعندما تربط الآيات بين الأرض والماء والنبات والليل والنهار والتركيب الجيني فإنه ربط معجز، وإذا استبعدنا أي عامل من العوامل السابقة توقفت العملية أو اختلفت أو اختلت، فالأرض للزراعة والفلاحة والتغذية والتثبيت، والماء للري والليل والنهار لإتمام عمليات البناء الضوئي الليلية والنهارية والتركيب الجيني الخفي للتنوع والإبداع والإعجاز.
ولذلك حكمت المحكمة لصاحب الأرض وتحملت شركة الإعلان نتيجة الخلل الحادث في المحصول. وقرر القرآن الكريم هذه الحقيقة وأثبتها العلم الحديث بالتعقل والتفكير والتدبر، وفي هذا إفحام لمن يقولون إن الحياة خلقت بالمصادفة والعشوائية، وإن القرآن من عند البشر!! القرآن كتاب معجز كل يوم يتفجر إعجازه ولا تنقضي عجائبه فسبحان الله العظيم..