حماة-سانا
لا يستطيع الزائر لسهل الغاب ان يمر دون ان تلفت انتباهه تلك الاعمدة التي تقف على بوابة السهل الجنوبية مشكلة المدخل لهذا السهل الذي شكل عبر مئات السنين مصدرا للرزق والحياة ولابناء المنطقة واحد المواقع التي تتصارع عليها القوى المسيطرة على سورية الداخلية نظرا لاهميتها الاقتصادية اولا والاستراتيجية ثانيا.
ويمكن القول ان سهل الغاب الخصب هو الذي جعل من أفاميا أم الأعمدة المشار اليها حاضرة مزدهرة في العديد من العصور فالخير العام والحماية من قبل حكام المنطقة ايا كانوا جعل افاميا التي سميت على اسم زوجة سلوقس نيكاتور خليفة الاسكندر الفارسية المقدوني على سورية مكانا مناسبا للاستقرار رغم انها كانت محط منافسة دائمة بين القوى المحلية .
واذا كانت افامية ابنة شرعية للحضارة اليوانية فان شمس الشرق وحضارته لوناها على مر العصور لتمتزج الثقافتان في مكان واحد بل إن اليونانيين أنشؤوا أماكن جديدة لم تكن موجودة كالمسارح والأسواق العامة . [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وتقع أفاميا شمال غرب مدينة حماة بحوالي 55 كيلو مترا والطرق إليها جيدة ومتعددة ولوحات الدلالة متوفرة بكثرة لتدل على الموقع ويمكن الوصول إليها عن طريق حماه أفاميا جسر الشغور أو اللاذقية السقيلبية أفاميا أو مصياف السقيلبية أفاميا .
ويوضح عبد القادر فرزات رئيس دائرة آثار حماة ان افاميا شهدت ازدهاراً عظيماً زمن سلوقس حتى القرن السادس الميلادي وبلغ عدد السكان 117 ألف نسمة ضمن أسوارها، و500 ألف نسمة مع ما يتبعها من قرى وبلدات وأصبحت عاصمة سورية الثانية بعد أنطاكيا فكثرت فيها الكنائس والأديرة وأهمها الكاتدرائية التي دشنها الأسقف بولس سنة 533م وكانت مدرسة للفكر الوثني احتوت أرضيتها فسيفساء "الحكماء السبعة الإغريق يتوسطهم سقراط" وفيها لوحات فسيفسائية أخرى كلوحة كالوس الجمال وثيرابينيديس والأخيرة موجودة حالياً في متحف بروكسل وهذه اللوحات الوثنية سبقت موقع المطرانية ثم عمر المسيحيون هذه المطرانية في الموقع الذي كانت تشغله سابقاً مدرسة الفكر الأفلاطوني الحديث .
واستمرت أفاميا مزدهرة حتى القرن السادس الميلادي حيث دمرها الزلزال عامي 526 - 528 م وبعد أن أعيد بناؤها تعرضت للغزو الفارسي وبقيت تحت سيطرته حتى عام 628ميلادي ثم استردها الإمبراطور البيزنطي هرقل وتراجعت أمام الفتح العربي الإسلامي بعد معركة اليرموك 636م واستمرت حتى القرن العاشر الميلادي، لحين احتلالها من قبل الصليبيين عام 1106 ثم حررها نور الدين الزنكي عام 1149 إلى أن تعرضت للزلزال مرة أخرى عامي 1157م و1170م ولم يبق منها سوى قلعة المضيق.
وفي العهد العثماني صارت نقطة استراحة للقوافل والحجاج العثمانيين على طريق الحج من القسطنطينية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث بُني فيها خلال القرن 16 زمن السلطان العثماني سليمان القانوني مسجد وخان كبير يطلق عليه اسم خان الحجاج تبلغ مساحته 7 الاف متر مربع وفي هذا الخان الذي تحول إلى متحف للفسيفساء في الوقت الحاضر العديد من اللوحات الفسيفسائية والشواهد الجنائزية المكتوبة باللاتينية وفسيفساء آدم الثاني وفسيفساء الكاتدرائية، وفسيفساء النساء الأمازونيات المحاربات من القرن الخامس الميلادي وفسيفساء من حورتة سنة 487 ميلادي.
وقال نديم الخوري الباحث الأثري في المنطقة إن أهم آثار أفاميا السور الذي يبلغ طوله 7 كيلو مترات مدعماً بحوالي 100 برج دفاعي استغرق بناؤه أكثر من 100 سنة و فيه 4 أبواب رئيسية أهمها باب إنطاكية والشارع الطويل الذي يبلغ طوله 1850متراً وعرضه 5ر37 مترا يحيط به رواقان على جانبيهما حوانيت تجارية على شكل طابقين وأرضه مرصوفة ببلاط حجري ضخم وقد كانت تجتازه المواكب العسكرية الضخمة منذ عهد سلوقس نيكاتور.
وهناك معبد تيكا ومعبد الإله زيوس والآغورا وهي ساحة عامة ومركز النشاط التجاري والإداري في المدينة بالإضافة إلى معبد حوريات الماء النمفيوم و كانت فيه تماثيل الآلهة أثينا و هيجيا و أفروديت آلهة الحب و أسكليبيوس إله الطب، و آريس إله الحرب، و هيفايستوس إله النار وسيد صناعة التعدين و فيلات ومساكن خاصة وقصور وأخيراً الحمام الروماني الذي جرت فيه حديثاً أعمال التنقيب من قبل البعثة الأثرية البلجيكية وأسفرت عن كشف هذا الحمام الأثري بالإضافة إلى وجود حمام أغريبا وهو اسم أشهر رجال مدينة افاميا في القرن الثاني الميلادي وهناك بعثة وطنية تجري حالياً أعمال التنقيب في هذا الحمام للكشف عن مزيد من اللقى والمقتنيات وتفاصيل مجريات الحياة التي كانت سائدة في هذه المدينة الأثرية خلال العصور القديمة الماضية.
وقال المهندس مرهف رحيم مدير سياحة حماة إن مدينة افاميا الأثرية تعد ثاني أهم مدينة أثرية في سورية من الناحية السياحية حيث يؤمها الكثير من المجموعات والوفود السياحية سنوياً نظراً لما تحظى به هذه المدينة الأثرية العريقة من مكانة مرموقة وأهمية كبيرة لدى السياح من مختلف دول العالم للاطلاع عن كثب على المعالم الأثرية الموجودة فيها والتي ماتزال حتى يومناً هذا شاهداً يحكي قصة الحضارة الإنسانية التي قامت على أرض سورية