دلفت بلا استئذان ،اقتحمت طقوسي اليومية بين أحضان الورق وشذي الحروف وإيقاعات القصائد ,فكانت بلون قهوتي وسرت بدمي كسم لفائف التبغ التي اقتلها كل يوم .لم تفسد نسكي وتجانست مع الأحلام التي اعتقدت أنها مجرد أوهام لن تعود حتى في غياهب النوم أو دياجير اللاوعي .
تسللت عبر صخور القلب لتروي بذرة اعتقدت أنها ماتت لأسباب لا تملك فيها إلا أن تموت ولو وضعت في احدث حاضنات العالم .
تسللت كالماء الزلال عبر شقوق ضيقة اعتقدت أنها صماء لتنمو في سويداء القلب جنينا طالما اعتقدت انه ليعود إلى سباته في لحد أتقن إغلاقه .
أفسدت كل خططي لمنع كل عوامل الحياة من التسلل إليه لكنها أجادت الدخول فنما الجنيين وحطم كل القلاع المصطنعة فاشتعل جوفي لأجدني عاشقاً من جديد .
كم شعرت بوهني أمام سهام عينيها التي داعبت كل الخيالات وارتقت إلى جوهرتي تحت شعري لأكون طفلاً من جديد وأدرك مفاهيم بلوغها رغم صغر سنها, ذابت الساعات في جلستنا التي انتهت بسرعة البرق و أعلنت وقت الرحيل فسرت في جسدي ارتعاشه لعثمت الحرف على شفتي وبدأت في إعادة المواضيع وتكرارها علِّي أطيل عمر لقائنا .
وقفت فوقت , ووجدت يدي تطير لاحتضان كفها الصغير ,تسارعت الرعشات التي تفشت في أنحاء جسدي فأدركت أنها أعراضُ حبٍ طالما انتظرتها وأيقنت من رصانة لغة العيون أنها ليست أعراض جانبيةُ ولن تزول بمجرد الفراق , تعاهدت الأعين على تجديد اللقاء وانسلّت كفها من كفي واستدارت والعين بالعين ماشيةً الهوينا وأنا اتبعها كمن أحكم وثاقه بأطيافها لتجرني خلفها دون وعيٍ مني ولا إرادة.
خرجت من صومعتي لتذوب في تعرجات الشارع وخليط الوجوه والأقنعة الملتصقة بالرؤوس المثقلة .
كم كان الليل طويلاً قبل قدوم صباح الفجر التالي لأسري قبل موعدي بساعات قاصداً صومعتي , وبدأت بإعادة كل الطقوس التي قد تلهما وتعود , مرضت ساعتي وعاقبتي الشمس بِجِنٍ حرارتها ولم ينقذني سوى شلال العرق المتدفق ولفائف التبغ مرسلاتٍِ غيماتهما علهما يخادعا البصر ويظهر البدر من بوابة الفرح.
أكملت الطقوس بإرسال الدعوات وقراءة كل التمائم التي حفظتها قبل دخولها الأخير لتجلس مكانها ورحنا نحتسي قهوتنا التي أهدت جلدنا اللون ونفثنا دخان سجائرنا لنذهب شيئاً من إدراكنا للأشياءِ ونبحر في دوامةٍ ارتضيناها سوياً .
تجاذبنا أطراف الحديث , حدثتها عن الفكر والأدب العربي ولم تبقِ شيئاً عن العواطف الإنسانية والمدارس الفنية من الانطباعية إلى التأثيرية والتكعيبية ..أيقنت أمام ثقافتها العالية قزميتي وأنني الآن أجلس إلى حواء حقيقية طالما انتظرتها وأنها وجه الأنثى والبقية أقنعةٌ ملحقة بالجموع .
طالت إغفاءتي وإغماضه عينيّ لأجدني أكتوي بعقب سيجارتي البائدة ولظى الشمس المتعامدة وكبد السماء تسابقني وتجبرني على قتل سويعاتِ اللقاء لنبك سوياً على فقيدٍ تمنينا أن يعيش طويلاً .
طارت الأيدي معانقةً بعضها ,سرت رعشة الأمسِ وجاءت كل العوارض المبشرة بميلاد حبٍ جديد , أدارت ظهرها مودعةً دون أن أجرؤ على رؤيتها تغيب في غياهب الأقنعة وأكتف الشوارع المنحنية .
ابتلعها الإسفلت من جديد قبلما أفيق من صدمة الحقيقة , لحقتها علي أصنعُ صدفةً جديدةً للقاء , تصفحت كل الأقنعة ومخرت عباب الإسفلت المشتعل وجثث المارة على الرصيف , دلف الدوار إلى دماغي لأجدني خارج المدينة أصحو على صدمة أحلامي الضائعة .