وإن كلمة ( النجاشي) لفظة (حبشية)، وهي لقب لمن ملك الحبشة، كقيصرلمن ملك الروم، وكسرى لمن ملك الفرس، وخاقان لمن ملك الترك، وفرعون لمن ملك مصر / ابن كثير: البداية والنهايةويسمي النجاشي الذي استقبل الصحابة المهاجرينإليه: (أرمها) الذي أعطى الحماية لأصحاب محمد، الذين هاجروا من مكة، واجتمعوا به فيالفترة ما بين 610 ـ 629 م"
أما المصادر العربية فتسميه أصحمة، حيث أورد ابنكثير في البداية والنهاية ج3 ص83 ذلك الخطاب الذي أرسله إليه رسول الله صلى اللهعليه وسلم، مع عمرو بن الضمري، فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بنالضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه، وكتب معه كتابا: بسم اللهالرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، سلام عليك فإنيأحمد إليك الملك القدوس، المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته القاهاإلى مريم البتول الطاهرة الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخته كماخلق آدم بيده ونفخته، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته،وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني، فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا،ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤوك فاقرهم ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى اللهعز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدىقال عنهرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه "ملك لا يظلم عنده أحد"
تولى الحكم وهوابن 9 سنين بعد موت عمه بصاعقة ، وبعد سنوات من حكمه، انتشر عدله، وذهبت سيرتهالطيبة إلى كل مكان، وفي السنة الخامسة للدعوة نصح رسول الله صلى الله عليه و سلمالمسلمين بترك مكة و الهجرة إلى الحبشة لأن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد و عادل فيحكمة كريماً في خلقة ، و هناك يستطيعون العيش في سلام آمنين على أنفسهم و على دينهمو كان عددهم في ذلك الوقت ثمانين رجلاً غير الأطفال و النساء ويقال أن الهجرة قدتمت بين 610 ـ 629 م.
عندما علمت قريش بذلك انزعجت لكن الكفار ولم يتركوهميهنئون ، فأرسلوا إلى النجاشي عمرو بن العاص، وهو داهية العرب، وعبد الله بن أبيربيعة بالهدايا حتى يسلمهما المسلمين ، فرفض النجاشي ذلك إلا بعد أن يسمع الطرفالآخر. فدعاهم النجاشي . فلما حضروا . صاح جعفر بن أبي طالب بالباب " يستأذن عليكحزب الله " فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه . ففعل . قال نعم . فليدخلوا بإذن الله وذمته . فدخلوا ولم يسجدوا له . فقال ما منعكم أن تسجدوا لي ؟قالوا : إنما نسجد لله الذي خلقك وملكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبدالأوثان . فبعث الله فينا نبيا صادقا . وأمرنا بالتحية التي رضيها الله . وهي " السلام " تحية أهل الجنة . فعرف النجاشي أن ذلك حق . وأنه في التوراةوالإنجيل.
فقال أيكم الهاتف يستأذن ؟ فقال جعفر أنا . قال فتكلم . قال إنكملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم . وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي . فأمر هذينالرجلين فليتكلم أحدهما ، فتسمع محاورتنا . فقال عمرو لجعفر تكلم . فقال جعفرللنجاشي سله أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم . فقال عمرو : بل أحرار كرام . فقال هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ قال عمرو : ولا قطرة . فقال هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ فقال عمرو : ولاقيراط . فقال النجاشي : فما تطلبون منه ؟ قال كنا نحن وهم على أمر واحد على دينآبائنا . فتركوا ذلك واتبعوا غيره . فقال النجاشي : ما هذا الذي كنتم عليه . وماالذي اتبعتموه ؟ قل واصدقني .
فقال جعفر أما الذي كنا عليه فتركناه وهو دينالشيطان . كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة . وأما الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلامجاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له . فقال تكلمت بأمر عظيم . فعلى رسلك .
ثم أمر بضرب الناقوس . فاجتمع إليه كل قسيس وراهب . فقال لهمأنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، هل تجدون بين :عيسى وبين يوم القيامةنبيا ؟ قالوا : اللهم نعم . قد بشرنا به عيسى ، وقال من آمن به فقد آمن بي ، ومنكفر به فقد كفر بي . فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟وما يأمركم به ؟ وما ينهاكم عنه ؟ . فقال يقرأ علينا كتاب الله ويأمرنا بالمعروفوينهانا عن المنكر . ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم . ويأمرنا بأن نعبدالله وحده لا شريك له .
فقال اقرأ مما يقرأ عليكم . فقرأ سورتي العنكبوتوالروم . ففاضت عينا النجاشي من الدمع . وقال زدنا من هذا الحديث الطيب . فقرأعليهم سورة الكهف .
فأراد عمرو أن يغضب النجاشي . فقال إنهم يشتمون عيسىوأمه . فقال ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم سورة مريم . فلما أتى على ذكرعيسى وأمه رفع النجاشي بقشة من سواكه قدر ما يقذي العين . فقال والله ما زاد المسيحعلى ما تقولون نقيرا .
توفي في العام التاسع للهجرة وقال الرسول لأصحابه: (إن أخاكم قد مات بأرض الحبشة)، فخرج بهم إلى الصحراء وصفهم صفوفًا ثم صلى عليهصلاة الغائب. [متفق عليه]، وكان ذلك في شهر رجب.