أخي الكريم .. الكثير من الشباب ما زالوا يحملون الخير في قلوبهم، ويحاولون التقرب إلى الله بقدر استطاعتهم، ولكنهم للأسف يغفلون عن باب عظيم من أبواب الخير والثواب. وأيضاً الكثير من الشباب الملتزم اللذين استطاعوا أن يتخلصوا من أسر الشهوات والشبهات والمعاصي، يعتقدون أن هذا الأمر من اختصاص العلماء والدعاة فقط, لذلك كان دخولهم منه على استحياء.
خريطة العالم الإسلامي (الدول ذات الغالبية الإسلامية).
هل تعرف ما هو هذا الباب أخي الكريم؟ إنه باب الدعوة إلى الله... ذلك الباب العظيم من أبواب الخير والتقرب لله رب العالمين، والذي يدر على صاحبه كنوز من الحسنات إنه باب الأنبياء ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، فالدعوة إلى الله كانت هي الوظيفة الأولى للأنبياء في الدنيا ولذلك ظن البعض أنهم ليسوا أهل لممارسة الدعوة إلى الله ففضلوا القعود عن العمل لهذا الدين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً».
فتخيل معي أن أحد الشباب هداه الله على يديك وأصبح من العابدين لله فأي عبادة يفعلها كنت أنت سبباً فيها لك من الأجر مثل ما يأخذه تماماً، فعلى سبيل المثال: لو صلى ذلك الشاب الظهر فستكون أنت صليت الظهر مرتين وإن أنفق من ماله فكأنك تصدقت أنت أيضاً وإن صام يوم عرفة فستغفر ذنوبك أنت أيضاً وقس على ذلك بقية الأعمال. ولذلك قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة: ( فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد ) وكيف لا وأنـــت تحصـــل كـــــل هــــذا الثـــواب، وكيف لا وأنت تمارس وظيفة كل الأنبياء والمرسلين، وكيف لا وأنت تحاول أن تنقذ الناس من براثن الشيطان اللعين،
وكيف لا وأنت تجاهد أعداء الله عز وجل وأعوان الشيطان في الأرض والذين لا همَّ لهم إلا إفساد الشباب. اعلم أخي الحبيب: أن الدعوة إلى الله لا يوفق إليها إلا من يريده الله تعالى أن يكون من جنوده المخلصين ولذلك ليس كل الناس مسموح لهم الدخول من هذا الباب لأن مقام الأنبياء ليس بالسهل ولا باليسير. واعلم أيضاً أن المسلم مهما بلغ من مكانة وعلم لا ينبغي له أن يترفع عن الدعوة إلى الله على العكس فهو يزداد رأفة ورحمة بعباد الله وحرصاً على هدايتهم وأسوق لكم هذا المثال الرائع للعالم الجليل محمد بن صالح العثيمين في حرصه على الدعوة إلى الله: " في إحدى عمرات الشيخ كان قد أدى العمرة مع جمع من أصحابه وقد سكنوا جميعاً في مسكن واحدٍ، وفي أثناء رجوعهم من المسجد الحرام إلى المسكن مرَّ الشيخ رحمه الله مع مَن معه على مجموعة من الشباب وهم يلعبون (كرة القدم)! فوقف الشيخ بينهم ينصحهم ويوجههم للصلاة،
فكان أن قابل أولئك الشباب الشيخَ بشيء من اللامبالاة والاستهزاء! فطلب الشيخ ممن معه أن يذهب إلى السكن ويبقى وحده مع أولئك الشباب! فكان أن حصل للشيخ ما أراده، فلما رأى الشباب أن الشيخ مصرٌّ على البقاء ليذهبوا معه للصلاة سبَّ عليه واحدٌ منهم سبّاً مقذعاً بكلمات قبيحة نابية! وقد فعل ذلك حتى لا يجعل مجالاً للشيخ في أن يبقى بينهم، وهم – بطبيعة الحال – لا يعرفون أن هذا هو الشيخ ابن عثيمين! فتبسم الشيخ! وأصرَّ على البقاء حتى يصلِّي الشباب، وأن يذهب هذا السابُّ معه! وجلس الشيخ وسطهم على حجر مصرّاً على قوله، والشباب استاءوا من مسبَّة صاحبهم لمثل هذه " الشيبة "! فطلبوا من صاحبهم السابّ -لما رأوا إصرار الشيخ – أن يرافق الشيخ، ومعنى كلامهم أن يمشُّوه على قدر عقله! فذهب الشاب السابُّ أخيراً مع الشيخ! ولما دخلوا المسكن، استأذن الشيخ من الشاب قليلاً، فخاطب بعضُ مَن مع الشيخ ذلك الشاب: هل تعرف الشيخ ابن عثيمين من قديم!! فكاد الشاب أن يُغمى عليه من الصعقة! وقال: ماذا قلت؟ من هذا الشيخ؟ قال: هذا الشيخ ابن عثيمين! ألا تعرفه؟؟ فما كان من الشاب إلا أن تأثر من موقفه ذاك وبكى، فلما حضر الشيخ قبَّل رأسَه وطلب منه المسامحة! وما كان من الشيخ إلا أن يسامحه وهو الذي صبر عليه وهو يسبه ويشتمه، ثم علَّمه الوضوء والصلاة، فالتزم ذلك الشاب على يد الشيخ رحمه الله". فانظر إلى هذه الهمة، وهذا الحرص، وذلك الصبر من الإمام رحمه الله. والآن اسأل نفسك هذا السؤال أين أنا من الدعوة إلى الله؟؟؟