بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
بعد أن انتصر المسلمون انتصارا كبيرا في معركة بدر على المشركين وأوقعوا فيهم الكثير من القتلى، عاد من بقي من الكفار إلى مكة حين كانت مكة تحت سلطة المشركين يجرون وراءهم أذيال الخيبة، ووجدوا أن قافلة أبي سفيان قد رجعت بأمان، فاتفقوا فيما بينهم أن يبيعوا بضائعها والربح الذي سيجنونه يجهزوا به جيشا لمقاتلة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأخذ الثأر لمقتل ءابائهم وإخوتهم وأبنائهم الذين حاربوا النبي عليه السلام والصحابة، وأرادوا القضاء على الإسلام في بدر.
اجتمعت قريش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلت مبعوثين إلى بعض القبائل الحليفة طلبا للمقاتلين، فاجتمع ثلاثة ءالاف مشرك مع دروعهم وأسلحتهم، وكان معهم مائتا فرس وخمس عشرة ناقة عليها ركب الهوادج وهي البيوت الصغيرة التي توضع على ظهور الجمال وجلست فيهن بعض النساء المشركات ليشجعن المشركين على القتال، وتذكيرهم بالهزيمة في بدر.
وفي أثناء استعداداتهم طلب أبو سفيان من العباس بن عبد المطلب عم رسول الله الخروج معه لقتال المسلمين ولكنه لم يقبل بذلك، وأرسل العباس سرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحذره من الخطر المحدق، فوصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني قد رأيت والله خيرا - أي في المنام – رأيت بقرا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي (حد سيفي) ثلما (كسرا) ورأيت إني أدخلت يدي في درع حصينة، فأولتها المدينة"، وكان معنى هذا المنام الذي رءاه الرسول صلى الله عليه وسلم أن البقر ناس يقتلون، وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيت النبي يقتل.
خرج كفار قريش بجيشهم حتى وصلوا إلى ضواحي المدينة المنورة قرب جبل أحد حيث كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم قد صلى صلاة الجمعة بالناس وحثهم على الجهاد والثبات، وخرج بسبعمائة مقاتل شجاع من الصحابة الكرام بعد أن رجع بعض المنافقين خوفا من القتال.
وكانت خطة الحرب التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل المدينة المنورة في وجهه ويضع خلفه جبل أحد وحمى ظهره بخمسين من الرماة المهرة صعدوا على هضبة عالية مشرفة على أرض المعركة، وجعل قائدهم صحابيا كريما هو عبد الله بن جبير وأمرهم النبي أن يبقوا في أماكنهم وأن لا يتركوها حتى يأذن لهم وقال لهم: "ادفعوا الخيل عنا بالنبال" وقسم الحبيب المصطفى جيش المسلمين إلى عدة أقسام، جعل قائدا لكل منها وتسلم هو قيادة المقدمة.
وبدأت المعركة فأقبل المشركون فاستقبلتهم سيوف المسلمين البتارة بقوة، وكان بين الصحابة رجل شجاع مشهود له بالثبات في وجوه الكفار اسمة أبو دجانة، سلمه النبي صلى الله عليه وسلم سيفا فأخذه وربط على رأسه قطعة حمراء علامة القتال، ثم شهر سيفه لا يقف شئ أمامه إلا حطمه وأوقعه أرضا، وكان رجل من المشركين لا يدع جريحا مسلما إلا قتله، فلحق به أبو دجانة ليريح الناس من شره، حتى التقيا فضرب المشرك أبا دجانة ضربة تلقاها الأخير بكل عزم وثبات ثم بادله بضربة قوية من سيفه فقتله.
واقتتل الناس قتالا شديدا وفعل الرماة المسلمون فعلتهم، إذ كانوا من أحد أسباب تراجع الكفار وفرارهم، وكانت الهزيمة على المشركين. ولكن حصلت حادثة أليمة غيرت من مسار نهاية المعركة، إذ إن الرماة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بحماية ظهور المسلمين وعدم ترك أماكنهم حتى يأذن لهم، ترك الكثير منهم مكانه ظنا أن المعركة حسم أمرها وأنه لم يبق أثر للمشركين، ونزلوا ليأخذوا من الغنائم، وبقي أقل من عشرة رماة أبوا أن يلحقوا بهم وقالوا: "نطيع رسول الله ونثبت مكاننا"، فنظر خالد بن الوليد وكان ما زال مشركا إلى من بقي من الرماة فتوجه بمجموعة من المشركين، وتسللوا ففاجأوا الرماة القليلين من الخلف وقتلوهم بما فيهم قائدهم عبد الله بن جبير.
عندها تعالت صيحات المشركين وفوجئ المسلمون بأنهم قد أصبحوا محاصرين، فقتل من قتل منهم واشتد الأمر عليهم، عندها عاد من هرب من المشركين وهجموا على المسلمين هجمة شرسة، ورفعوا عن الأرض رايتهم المتسخة.
وكان عدد من الكفار قد اتفقوا فيما بينهم على مهاجمة النبي دفعة واحدة فاستغلوا فرصة ابتعاد بعض الصحابة عن النبي أثناء المعركة وانقضوا عليه، فمنهم من ضربه بالسيف فأصاب جبهته الشريفة، ومنهم من رماه بحجارة فكسرت رباعيتة اليمنى وهي أحد أسنانه الأمامية، وشقت شفته الشريفة، وهجم ءاخر فجرح وجنة النبي أي أعلى خده الشريف بالسيف ورفعه فرده النبي ولكنه سقط فجرحت ركبته الشريفة وسال دمه على الأرض، وأقبل مشرك اسمه أبي بن خلف حاملا حربته ووجهها إلى رسول الله فاخذها النبي منه وقتله بها.
ولما جرح النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، صار الدم يسيل على وجهه الشريف وأقبل لحمايته خمسة من الأنصار، فقتلوا جميعا وركض أبو دجانة وجعل من ظهره ترسا لرسول الله فكانت السهام تنال عليه وهو منحن يحمي ببدنه وروحه أعظم الكائنات سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم.
وازدادت المصائب إذ قد جاء عبد حبشي مشرك ماهر بالرماية اسمه وحشي أمره سيده بقتل سيدنا حمزة ووعده بأن يجعله حرا إن قتله، وبقي طيلة المعركة يتحين الفرصة حتى وجد نفسه وجها لوجه أمامه، فرفع حربته وهزها ثم رماها فاخترقت جسد سيدنا حمزة رضي الله عنه الذي وقع شهيدا في سبيل الله.
وانتهت المعركة بانسحاب المشركين الذين ظنوا أنهم انتصروا، ولا يقال إن رسول الله خسر بل إن الذين خالفوا أوامره خابوا وسببوا الخسارة لأنفسهم.
ودفن المسلمون شهداءهم في أحد حيث استشهدوا، ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في جو حزين، جاءت إحدى نساء الأنصار قد قتل أباها وأخاها شهيدين.
فلما أخبرت قالت: "ماذا حل برسول الله؟" فقالوا لها: "هو بحمد الله كما تحبين". قالت: "أرونيه"، فلما نظرت إليه دمعت عيناها فرحا بسلامته وقالت: "كل مصيبة بعدك هينة يا رسول الله لا توازي مصيبتنا بفقدك".
وهكذا انتهت معركة أحد التي كانت درسا تعلم منه المسلمون أهمية الالتزام بأوامر النبي وتعاليمه الشريفة، وأن أوامره كلها فيها الخير والفلاح.
والله اعلم