الأحد 29 اب 2010
لملمتُ بقايا حُزنيَّ اليومي ، أودعتها في ذاكرتي المُتعَّبةِ حدَّ اليقظة ، لأرى وانقل لكم المتبقي من زمن حياة عائلة تتجه بتسلسل فوضوي صوب مقبرة المدينة ، لا لزيارة ابنتهم نسرين التي دفنت هناك قبل سنتين ، بل ليمتلكوا مترا من هذه الأرض ، لم يملكوها وهم أحياء ، يمتلكونها وهم موتى، أي قدر يترصدهم وأي متر يمتلكون وأي رسالة سيحملونها لنسرين ولخالقها عن وضع البشر وتعدد المواقف واختلافه. انتظرتني عائشة ، قيل لها باني سأنقل لكم بوضوح وصدق كل الحكاية، كان علي أن احملُ لها الأمل والثقة المطلقة بالإنسان، لأنها ام ثكلت بابنتها نسرين وبقية أولادها في الطريق.
عائشة اُم كبقية الأمهات، كتلة من العطف و الحنان ، تحلم كبقية الأمهات أن تجعل من عمرها نبضة لأي من أطفالها، تقف عاجزة ، لا تملك غير الدمعة وأمل يأتي أو لا يأتي ، قلت لها ( لتكن ثقتك عالية برحمة السماء، لتكن ثقتك عالية بالإنسان في هذا الزمان) مسحت دمعتها بخجل الأمهات في هكذا مواقف، قالت بصوت كأنه نزف يمتد من نزف قلبها ولن ينتهي عند ضفيرة نسرينها التي رحلت وهي تملك 18 ربيعا من العمر ومثلها من الأحلام التي لم تتحقق. أواه أواه يا نسريناه من سيلقاك منا أولا فكلنا صوبك نتجه... أواه أواه وا نسريناه والدك محمد مازال عتالا ويدفع بعربته في شوارع الهلالية ، القامشلي حزينة عليك وأكثر حزنا علينا... أواه أواه وا نسريناه والدك متعب وموته أعمق من موتك لان المرض ذاته قد أصابه ولا يقدر على أن يجلب غير الرغيف الأسمر ويبكي بصمت الرجال لأنه لم يتمكن من إحضار الهدايا لبقية إخوتك وهل غير الدواء هي هدايانا) حاولت أن اخفف عنها الحزن دون جدوى، اعترف لكم باني فشلت ولكني لم اقطع الأمل ، قالت عائشة (بنيتي اطلبي في صلواتك أن يرحمني الله ويأخذ أمانته، وان كان للموت لغة خاطبوه كي يختارني قبل أولادي ، بنيتي ، لا طاقة لي على أن ادفن البقية في مقبرة المدينة) حاولت أن أغير الموضوع بمحادثة ابنها شفان وعمره 16 عاما تحدثت معه، لم أجد أي تجاوب مع حديثي، كان ينظر الي وفي نظراته لغة اختصرتها في عينه وليس عينيه لأنه فقد واحدة بسبب المرض ، كان يصرخ بصمت (أنقذونا ... هل من مغيث .. هل من مجيب ) محاولتي بتغيير مجرى حديث الألم باء بالفشل بل ضاعف الألم لان شفان أصيب بذات المرض (داء ألبورت) وأصابه في كليتيه، وفقد سمعه وإحدى عينيه. نظرت في عيون الطفل بشار وعمره 9 سنوات وفي عيون صبرية وعمرها 12 عاما، كانا ينظران بحزن لأخيهم الكبير شفان وقبلها نظرا إلى أختهم نسرين، رغم الطفولة فيهم كانا يدركان إنهم في الطريق، كان بشار يضع يديه الصغيرتين على عينيه ، هل كان لا يتحمل الحزن الواضح في ملامح أخيه شفان وأمه عائشة أم يا ترى إن طفولته قادرة على أدراك خطورة داء البورت وانه مهدد ولا يملك سلاحا غير وضع يديه فوق عينيه على أمل أن يحميه ولا يفقده كما فقدتها نسرين وفقده شفان. سالت عائشة وكُنت مجبرة رغم إن السؤال في مثل هذا الوضع يزيد الحزن وقلت لها :- وماذا عن المرض والعلاج فقالت انه (داء ألبورت) شرحت رغم بساطتها تفاصيل المرض ، ولم العجب فهي تعيش تفاصيل تفاصيله و يحصد أولادها واحد تلو الآخر) أدركت من خلال حديثها إن الداء يدمر حواسهم الإنسانية ، صمم وعمى ثم فقدان الكلية ولاحقا موت يعلن عن نفسه دون إنذار . لن تسالوا عما فعلت الأم عائشة لأنكم تدركون أنها طرقت كل الأبواب وبالفعل طرقت عائشة كل الأبواب، مؤسسات وأجهزة حكومية، عادت مثقلة بصمت أشعرتها بإهانة دون أن تضعف فيها أملها في الإنسان .
قبل أن اخرج من بين الحزن في مدينة منسية في بقعة تحلم كبقية المدن، تمعنت في طفولة بشار وصبرية أدركت الأم الحزينة عائشة إن نظرتي كانت تساؤلات ، فقالت لي (انقلي للجميع صورة الحال واعتذري منهم بدلا عني فلم املك غير الحزن وتمنيت أن املك الفرح كي انقلها للجميع) قلت لها سأفعل ، قلت لها لا مخففا عنها أو مهدئا لجرحها بل لقناعتي بان (الرحيم يخلق الرحماء وان الكريم يخلق الكرماء وان المجيب يخلق المجيبين.... سأنقل صورة حزنك وحاجتك للمواقف الشهمة لمن يقتبس من رحمة الله رحمةً ومن كرمه كرماً ومن نجدته إجابة لرسالتك) قلت لها (كما كنت تنتظرين أن يحصد الموت الواحد تلو الآخر من أولادك، انتظري مواقف إنسانية ....
داء البورت ( مرض وراثيّ يصيب غالباً الأطفال الذكور، ويتظاهر بيلة دموية ثمّ نقص في السمع واضطرابات في الرؤية، حيث لا يوجد علاج شافٍ لهذه الحالات، إنّما الهدف من المعالجة هو ضبط اختلاجات المريض، والسيطرة على أعراضه، كفقر الدم، وارتفاع الضغط، وفي المراحل النهائيّة يلجأ الطبّ في هذه الحالة إلى الديلزا الدمويّة أو زرع الكلية كعلاج استبداليّ في حالة هذه العائلة الكاملة وان للقصور الكلويّ عدّة أسباب، ولكن هذه الحالة هي حالة داخليّة حيث يتآكل لحم الكلية، ونادراً ما تصاب عائلة بكاملها، وهي حالة مجهولة غالباً ما تكون لأسباب مناعيّة". وعن العلاج "في المرحلة الأولى من هذا المرض تكون مرحلة علاجية محافظة، ولكن في حالة هذه العائلة يتطوّر المرض بسرعة. قد يصل إلى حالة الغسيل، ويكون العلاج النهائيّ تغيير وزرع الكلية. هذا ما أدّى بكبرى بنات العائلة إلى الوفاة"
لازال الأمل موجودا بمؤازرتكم لهم , انقذوا هؤلاء البؤساء قبل أن يحصدهم الموت جميعا
لمن يود مساعدتهم التواصل على الرقم
00963999805054