أنا صائم بإخلاص من باطن ذاتي، وبصبر جميل، لا على مجرّد الأكل والشرب، حسب استطاعتي بل أيضا على خبث القول والفعل، وفحش الكلام والسلوك أروّض نفسي بما يرضي الله خالقي، حتى تفوز بمنزلة النفس المطمئنة، وأعقل بعقل سليم حتى يكون جسمي سليما، وأهتدي بتنزيل العزيز الحكيم حتى لا أنحرف عن الصراط المستقيم، وأفكّر بفكر الخبير حتى لا أخطئ، ولا أغالي حتى لا أهلك، وأهجر المعاصي حتى أكسب الفضائل، وأدخل السرور على المسلم حتى أنال رضاء الله، وأتدبّر في كل أمر أردت فعله حتى أتيقّن إن كان خيرا فأقدم، وإن كان شرا فأتأخر، وأتمسك بالتؤدة حتى يريني الله المخرج السليم من الحالة التي تعترضني، وأتوخى مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرني "اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى غير أهله فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله" رواه مالك عن ابن عمر بن النجار والخطيب عن علي.
وأتجنّب الفتن وأصبر على الابتلاء حتى أضمن السعادة، وأحفظ الله حتى يحفظني وأستعين بالله حتى أجد العون النافع والنصر المبين وأن يكون إيماني بالله تعالى ما وقر في قلبي وصدّقه عملي، فلا أباغض أحدا، ولا انافس أحدا وأؤاخي من يؤاخيني ولا أعادي من يعاديني ولا أطيع من لم يطع الله، فكما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
وأحب لأخي ما أحب لنفسي ولا أروّع مسلما، وأرحم الناس حتى يرحمني الله وأعامل الناس ولا أظلمهم وأحدّثهم ولا أكذبهم، حتى أكون ممّن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته، كما في حديث خاتم المرسلين.
وأخالط الناس وأصبر على أذاهم وأكون مؤتمنا إن استشرت وأترك ما لا يعنيني وأبر حتى أطمئن أن الناس بخير وفي خصب وأقول خيرا وأسكت عن شرّ لأسلم ولا أعبس في وجه أخي بل أبتسم حتى أنال ثواب صدقة وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر حتى أنال ثواب صدقة، وأرشد الضال حتى أنال ثواب صدقة وأتجاوز عن ذنب السخي وزلة العالم وسطوة السلطان العادل حتى أأمن، وأصافح حتى يذهب الغلّ عن القلوب، وأتعرّف إلى الله في الرخاء حتى يعرفني وقت الشدة، كما وعد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتواضع لأن التواضع يزيدني رفعة، والعفو يزيدني عزا وأعطي من حرمني وأعفو عمن ظلمني وأصل من قطعني، وأخشى الله في السر والعلانية، وأعدل في الرضا والغضب، وأن يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ مما سواهما، وأن أكون أنفع الناس ومما يرجى خيره ويؤمن شره حتى يكتمل إيماني.
أنا صائم عن شهوتي البطن والفرج، عن الأكل والشرب، فلا ضرر ولا ضرار كما أمرني ربي "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" "البقرة آية 256" وجب عليّ أن أكون رحيما لأن الرحمة تجمع بين البشر. وكما قيل "من كان رحيما دام ربحه"، ومستقيما، فـ"حيثما تستقم يقدّر لك النجاح" ومن الهدي النبوي "من أراد الغنى بلا مال، والعزّ بلا عشيرة، والطاعة بلا سلطان فليخرج من ذلّ المعصية إلى عز طاعته سبحانه وتعالى فإنه واجد ذلك كله".
فأنا على رأي أمين الريحاني أودّ أن أحيا دون أن أبغض أحدا، وأحب أن لا أغار من أحد، وارتفع دون أن أترفّع على أحد وأتقدم دون أن أدوس من هم دوني، أو أحسد من هم فوقي" إني أتناسى مساوئ الاخوان حتى يدوم لي ودّهم وأترفّع عن الضغائن والأحقاد حتى أبلغ مرتبة الحكيم، وأقارب الناس في عقولهم لأسلم من غوائلهم.
أنا صائم لأضمن الراحة للروح والقلب واللسان والجسم لأن "راحة الروح في قلة الآثام وراحة القلب في قلة الأوهام وراحة اللسان في قلة الكلام وراحة الجسم في قلة الطعام" وقد قيل "الصمت يكسبك ثوب الوقار ويكفيك مؤونة الاعتذار". من فوائد الصوم اتقاء الضرر، فقد قيل "ثلاثة تضرّ بأربابها: الافراط في الأكل اتكالا على الصحة، والتفريط في العمل اتكالا على القدر، وتكلّف ما لا يطاق اتكالا على القوة".
هكذا تكون أخلاق الصائم، فالصائم إما أن تكون ركائز صومه مكارم الأخلاق وتقوى الله وإخلاصا صادقا وصبرا جميلا حتى يعتبر الصوم متكاملا، وإما أن تفقد منه هذه الخصال فيعتبر صومه شكلا بلا مضمون لا فائدة ترجى منه، ولا نفع ثواب يفوز به الصائم.
ومن هنا قلت أنا صائم لأهذّب نفسي وأحسن سلوكي، وأقوّم اعوجاج لساني، وأحفظ جسمي من الرذائل والفواحش، وأقي عقلي من المسكرات والمخدرات، وأمسك يدي عن الغش والمحرمات، ذاك هو مقصدي لأبلغ درجة التكريم، وأحافظ على تكريم الله إياي باعتباري من أبناء آدم، والله تعالى قال في كتابه الكريم "ولقد كرّمنا بني آدم" "الإسراء آية 70" وقال سبحانه "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" "الحجرات آية 13" وأكد رب العالمين بأمره جل وعلا "وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى" "البقرة آية 197"، وأفادنا ذو الجلال والإكرام بقوله تعالى "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" "البقرة آية 110".
فليكن القول معروفا، والسلوك معروفا، لقد قال علام الغيوب خالق الكون وما حوى الذي كلّفنا بمهمة الإصلاح ونشر سلم الإسلام وخيره وعدله وعفوه ورحمته بين الناس كافة "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم" "البقر آية 263". فهل فهمتم يا معشر المسلمين لماذا أنا صائم؟.
الثلاثاء أغسطس 24, 2010 7:48 am
