سيدة: لن أخرج من المنزل لو هدم فوق رأسي فلست مضطرة لأن ارمي بناتي في الشارع
"آباؤنا اشتروا الأراضي ونحن نخسرها بالتدريج دون أية تعويضات تذكر حتى الآن" هذا ما يقوله بعض أهالي منطقة بساتين أبو جرش في دمشق، اثر إنذار المحافظة لهم بإخلاء منازلهم خلال مدة أقصاها قبل عيد الفطر بخمسة أيام وذلك لإقامة مشروع "البارك الشرقي".
السكان المنذرين- بحسب تعبيرهم -لم يملوا من مطالبة المحافظة مرارا وتكرارا بحقهم الذي ضاع منذ عام 2000 عندما استقطعت محافظة دمشق أراضيهم التي يملكونها منذ نصف قرن، وما زال لديهم الأمل التعويض.
استملاك تدريجي وعمليات نصب قديمة
في عام 2000 تحججت محافظة دمشق بتوسيع حديقة الحيوان لقيامها باستقطاع الأراضي الزراعية من أصحابها وهذا ما جاء ضمن إشعارات الإنذار حينها، إلا أن الأراضي مسيجة حالياً ومقفلة وتستخدم كمشاتل لشركات القطاع العام على حد تعبير أصحابها السابقين، ويكشف أهالي الحي إنه "لم يكن عام 2000 عام المصادرات فقط، ففي حوالي العام 1974 كانت أولى عمليات استقطاع الأراضي من قبل المحافظة بحجة إقامة اتوستراد العدوي دون مقابل"، وما يجمع عام 2000 مع السبعينيات هو عدم حصول الأهالي على أية تعويضات حتى الآن على حد تعبيرهم.
القصة لم تنته والمحافظة استذكرت منذ أقل من شهر أن بساتين أبو جرش داخلة ضمن مشروع يسمى (البارك الشرقي) أي ما يعرف برئة دمشق الشرقية وهو مشروع يشبه حديقة تشرين (رئة دمشق الغربية)، وعندها قامت المحافظة بإنذار حوالي 103 إشغالات سكنية وتجارية بالإخلاء بحجة أن أصحاب هذه البيوت تم تعويضهم بأسهم في سبعينيات القرن الماضي، هذا ما وصفه أهالي المنطقة بعملية نصب قديمة وأنها أسهم لا تساوي سعر "تنكة السمنة "حينها.
أهالي أبو جرش نسوا الماضي وآمنوا وسلموا بأن الماضي لن يعوض وكان كل همهم اليوم هو حصولهم على مكان يؤويهم بعد الخروج من منازلهم في المهلة التي حدد أقصاها بـ 5/9/2010.
الاستملاك عنوة مقابل سعر بخس
سيريانيوز زارت بساتين أبو جرش التي أسماها سكانها "جنة دمشق التي لم يدنسها التوسع العمراني حتى الآن " فهي شبيهة بالريف داخل المدينة، واستمعت لشكوى السكان حيث قال أحدهم إن "بعض المنازل في منطقة أبو جرش شيدت في ستينيات القرن الماضي وفي ذاك التاريخ لم تكن هناك أية إجراءات استملاك أو أوراق وأختام تثبت ملكية الأهالي أو ملكية الدولة ، إلا أن محافظة دمشق لم تعترف بها و قامت في السبعينيات باستملاك بعض أراضينا الزراعية لفتح اتوستراد العدوي وفي الثمانينات قامت باستملاك الأراضي الزراعية (فقط) مقابل أسهم في منطقة الديوانية ".
وأردف" هذه الأسهم لم تتجاوز سعر (تنكة السمنة حينها) وعدا عن ذلك فقد أتى إلينا بعض التجار المرسلين من المحافظة على الأغلب في لعبة خبيثة، ليشتروا الأسهم منا لأننا لا نملك نقوداً لإنشاء المحاضر على أمل تزويدنا بالبيوت عند الصعود بها من قبل التجار، إلا أن ذلك لم يحدث وبقينا في دارنا حتى اليوم".
"ليس لكم شيئاً "والوثائق غير موثوقة
الحاضر لم يختلف كثيراً عن الماضي بحسب سكان المنطقة، فقد قامت المحافظة بإنذار سكان بساتين أبو جرش للإخلاء قبل شهر رمضان بأيام 2/8/2010 ولمدة أقاصها قبل عيد الفطر بـ5 أيام أي بتاريخ 25/9/2010، وقال حسان الشلبي إن "محافظة دمشق لم تعرض علينا التعويض ومن تم تعويضهم هم 30 منزلاً فقط من أصل 103 منازل وإشغالات تجارية، متحججين بأن الباقي ليس لهم أي إثبات بملكية الأرض مع أننا نملك وصولة اشتراك بالمياه والكهرباء وغيرها من الوثائق تعود إلى عام 1956 لكن المحافظة لم تعترف بها، وكلما راجعنا المحافظة لمعرفة مصيرنا يخرجوننا مثلما دخلنا دون أن يستقبلنا المدير المسؤول (مدير التخطيط) أو حتى المحافظ، ليقوموا بإخراجنا كل مرة مستخدمين عبارات (ليس لكم أي شيء ) و(اعتبروا أنفسكم استأجرتم البيوت من المحافظة التي لم تأخذ منكم الآجار مشكورة)".
من جهته قال الحاج محمد توفيق الجارح " أملك منزل ومنشرة أخشاب صغيرة أعيش منها أنا و5 أولاد، إلا أن المحافظة طلبت منا الخروج وتركها لهم دون أن تقوم بتعويضنا بأي شيء، وكلما سألناهم عن البيوت البديلة يقولون لنا أننا لانستحقها، أو يطلبون منا الانتظار قبل موعد الإخلاء ب 5 أيام، وهذا يعني أننا لن نحصل على شيء فما الذي يمكن فعله خلال 5 أيام ونحن لا نعلم إن كان لنا منازل بديلة أو لا" مضيفاً بحزن " لا أملك مالاً لشراء منزل آخر فهل ألتحف السماء واسكن الشوارع بعد هذا العمر".
التشرد مصيرهم
السيدة هنا زيدان اشترت منزلها منذ سنة تقريباً بحوالي المليون ليرة سورية، إلا أن أحداً لم يخبرها بأن البيوت هنا ستذهب أدراج الرياح لا محافظة دمشق ولا البلدية ولا حتى البائع، وقالت " اشتريت المنزل باسمي وجاء الإنذار من المحافظة باسم زوجي وهذا مالم أفهمه" مشيرةً إلى أن "المحافظة أمهلتنا إلى ما قبل العيد بـ 5 أيام حتى نخلي دون أي تعويض يذكر أو حتى وعود ببيوت بديلة أو حتى تمديد المهلة للتصرف".
وأضافت " زوجي خارج القطر وليس لي أولاد فماذا سأفعل والتشرد مصيري؟" مناشدةً محافظة دمشق" بتزويدنا بالسكن البديل حتى نخرج ومن دون البديل لن اترك منزلي وسأنصب خيمة في ذات المكان حتى يتم تعويضي".
من جهتها قالت السيدة ملك صاحبة منزل أخر" اشتريت المنزل عام 1995 من أحد الرجال وعندما استفسرنا عن حال المنطقة بالمحاقظة أخبرونا بوجود بيوت بديلة في حال الإخلاء، وهذا ما نفوه عندما انذرونا منذ قرابة الـ25 يوماً بمهلة لم تتجاوز الشهر للخروج وهذا غير منطقي" مضيفةً " لدي 4 بنات وزوجي متوفى وإن لم يعوضونا ببيوت بديلة لن أخرج من المنزل لو هدم فوق رأسي فلست مضطرة لأن ارمي بناتي في الشارع".
وقال عضو نقابة الفنانين والمخرج المسرحي عدنان عبد الجليل وهو أحد سكان المنطقة " اشتريت المنزل وسافرت وحين عدت للوطن وجدت منزلي الذي اشتريته من شقاء عمري قد أصبح من حق المحافظة التي أعلنت لنا بأنها لن تؤمن البديل، فهذا غير منطقي ويجب أن يكون البديل متوفراً قبل الإنذار بالإخلاء".
القصص كثيرة، وتعداد السكان الذي كان في ثمانينات القرن الماضي عندما استملاك الأراضي من قبل المحافظة، ازداد الأضعاف، وبحسب أحد سكان المنطقة فإن " المحافظة لم توضح بأن السكن البديل سيكون مبني على أساس أي من المسوح السكانية التي قامت بها، ولو فرضنا كانت هناك أسهم في الثمانينات فما هو حال من اشترى المنازل حديثاً؟".
تمديد فترة الانذار.. ومساكن للجميع
التقت سيريانيوز مدير التنظيم والتخطيط العمراني في محافظة دمشق عبد الفتاح اياسو الذي طمأن الجميع بدايةً بأنه " لن يخرج أحد من منزله إلا ليتم تأمين البديل"، لكن اياسو رافض الإفصاع عن عدد المنازل البديلة المتوفرة أو منطقتها مبيناً أنه يمكن أن تكون " في برزة آو قدسيا أو دمر أو اليرموك أو أي مكان آخر إلا أنها ليست في الحسينية".
وتابع اياسو" سنتساهل مع أهالي المنطقة ونطيل المدة المحددة للإخلاء إلى ما بعد عيد الفطر بفترة مناسبة" ويأتي كلام مدير التخطيط العمراني على الرغم من وجود عبارة على انذارت الإخلاء تشير إلى أن " المهلة النهائية غير قابلة لأي تمديد " وأن " محافظة دمشق ستباشر بهدم البناء فوراً في حال انقضاء المدة الممنوحة دون أن تكون مسؤولة عن الأضرار التي تلحق بالسكان نتيجة عدم الإخلاء".
وعن سبب الإخلاءات قال إياسو إن "هذه المنازل داخلة في التنظيم وناتجة عن مصور تنظيمي للأملاك العامة ضمن مشروع (البارك الشرقي) وهو قيد الدراسة حالياً من الجهة المعنية وستقوم الشركة العامة للدراسات بالتدقيق، حيث قمنا بتشكيل لجنة من عدة مديريات لمتابعة الموضوع بحيث تنتهي الدراسة أواخر عام 2010 ليتم انجازه على مراحل حفاظاً على رئة دمشق ومتنفسها وعلى 99% من المناطق الخضراء".
والمزيد من الإنذارات عام 2011
وأضاف اياسو" انذرنا السكان حسب حاجة المحافظة وسنزيل كل الإشغالات التجارية والمشاتل والسكن الذي يقع ضمن الحاجة، ومن الممكن أن تتوسع مساحة حاجة المحافظة عام 2011 ونزيل المزيد من المنازل في المنطقة".
وفي تقرير مطبوع سلمه مدير التنظيم والتخطيط العمراني في محافظة دمشق عبد الفتاح اياسو لسيريانيوز تحت عنوان( مذكرة حول البارك الشرقي)، جاء فيه إن " جزءاً من المساحة المخصصة للبارك الشرقي عبارة عن أملاك عامة نتيجة تنظيم (عدوي إنشاءات) والباقي استملاكات متعددة"، وشرح التقرير وضع الجزئين (التنظيم والاستملاك) على النحو التالي "بالنسبة للتنظيم فإن أصحاب العقارات الداخلة ضمن تنظيم المنطقة المذكورة بما فيها عقارات البارك الشرقي، حصلوا على أسهم بالمقاسم التنظيمية المسجلة بالعقد رقم 340 عام 1980 وألغيت الصحيفة العقارية لها بناءً على القانون 9/1974 لتنظيم وعمران المدن، والشاغلون يشغلون دوراً سكنية وتجارية وزراعية على الأملاك العامة الناتجة عن التنظيم (حديقة البارك الشرقي)".
ويتابع التقرير إنه" تم توجيه الانذارات للإشغالات السكنية (67 منزلاً) ضمن شريط تجاري موازي "لاتوستراد" العدوي، إضافةً إلى الإشغالات التجارية عدد 27 كبقية لمشروع البارك الشرقي بالتنظيم علماً انه تم تنفيذ جزء منه كحديقة للحيوان".
أما بالنسبة للاستملاكات، فقد أوضح اياسو إن " تتمة البارك عبارة عن استملاكات متعددة تم توجيه انذارت للسكنية منها بالشريط الموازي "لاتوستراد" العدوي بحوالي 45 منزل أما الإشغالات التجارية فبلغت 60اشغالاً تجارياً وزراعياً، علماً انه تم تم تنفيذ أجزاء أخرى من استملاكات البارك الشرقي الزراعية وهي بانوراما حرب تشرين التحريرية".وتابع اياسو في تقريره" أنه تم توجيه إنذارات جديدة للمشاتل الواقعة بالاستملاكات جوار طريق برزة التل بحوالي 45".
-سيريانيوز